الكل ينتظر الرد الإيراني على القصف الإسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق والكل يعتقد أننا نقترب أكثر من سيناريو الحرب المحتملة، وهو أمر وارد، ولكن بنظرة خاطفة على طريقة تعامل إيران مع الصراع مع إسرائيل يسهل تخيل أن الأمر لن يكون بأكثر من توتر آخر لن يقود لحرب.
هل ستقوم طهران بشن حرب على إسرائيل؟ يبدو السؤال كبيراً، والإجابة عنه يمكن أن تكون باستبعاد ذلك، فطهران لن تجازف بحرب قد تجرها إلى حرب أكبر ليس فقط مع الولايات المتحدة التي ستجد نفسها مضطرة للدفاع عن حليفتها الأولى بل ربما تفتح شهية كل خصوم النظام الإيراني من أجل الانقضاض عليه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجبهة الداخلية الإيرانية لن تكون مساندة كثيرا لجهود الجيش والنظام، فثمة الكثير من الضغوطات الداخلية التي سيكون لها دور في ضعضعة الوضع وفي مطامح ومطامع البعض في إسقاط النظام والتخلص من ولاية الفقيه.
قبل ذلك، قامت إسرائيل باغتيال شخصيات كبيرة في الجيش الإيراني خاصة في فيلق القدس ولم يصل الأمر لحد الحرب. سيقول البعض، إن إسرائيل هذه المرة قصفت مقراً دبلوماسيا إيرانيا وبالتالي اعتدت وفق كل القوانين والأعراف على الأراضي الإيرانية، بمعنى أن الأمر يشبه لو أن تل أبيب قامت بقصف إيران. هذا صحيح نظرياً ولكن أيضاً قبل ذلك قامت إسرائيل بتنفيذ عمليات اغتيال داخل إيران وقتلت علماء تحديداً عبر عمليات استخباراتية معقدة. وفي كل حالة، كانت إيران تعرف أن من يقف وراء هذه العمليات هو "الموساد" ولم يقد الأمر إلى حرب ولم تندلع مواجهة. هناك من يتخيل سيناريو رد فعل محدود يتمثل بضرب بعض المناطق داخل إسرائيل وتنتهي القصة. وهذا غير وارد لأن أي ضربة إيرانية للعمق ستقابل برد فعل إسرائيلي داخل المدن الإيرانية، وطهران لن تحتمل هذا لأنه سيعني تدحرج كرة الثلج. إذاً، الرد يجب أن يكون خارج حدود القصف والمواجهة على الأرض. القصف الإسرائيلي تم خارج حدود إيران حتى لو كان استهدف بشكل مباشر مبنى يتبع للدولة الإيرانية كالقنصلية لكنه في كل الأحوال ليس داخل إيران، وبالتالي فإن الرد الإيراني لا بد أن يكون – تذكروا العبارة المفضلة - في الوقت والمكان المناسبين. وهذه عبارة تعني: ضعوا الملف على الرف ولنشبعه نقاشاً حتى تنضج الفكرة، وما أن تنضج الفكرة حتى تكون قد جرت مياه كثيرة تحت الجسر وتبدلت الأحوال وتغيرت الأزمان.
إن طبيعة المواجهة الإيرانية الإسرائيلية هي دائماً غير مباشرة ولا تتم بالاستخدام المباشر للقوة، وإن تمت فهي قصيرة ومحدودة وربما ضمن نطاق التفاهم غير المعلن وغير المتفق عليه ولكنه موجود ويفهمه كل طرف. منذ تغير نظام الحكم في إيران عقب ما يعرف بالثورة الإسلامية وصعود الخميني للحكم ونجاحه في تحويل الدولة من دولة علمانية إلى دولة دينية وسياسته تصدير الثورة من خلال دعمه لكل أطراف المقاومة الإسلامية في مناطق العالم المختلفة خاصة المنطقة العربية وحصراً فيها لأسباب بعيدة عن الدين كما يمكن الاستنتاج، فإن طهران لم تضع نفسها يوماً في مواجهة مباشرة مع تل أبيب. تم تحويل اسم الشارع الذي كانت تقع فيه السفارة الإسرائيلية في طهران إلى شارع فلسطين، وكان عرفات لإيمانه بضرورة إسناد أي شخص يناهض عدوه ومحتل بلاده أول من وصل إلى طهران في وقت كان الكل يتردد حتى في رفع سماعة الهاتف والاتصال بطهران، وقامت القيادة الإيرانية الجديدة بتبني دعم القوى الفلسطينية واللبنانية التي تعمل على قتال إسرائيل، ثم بعد ظهور الإسلام السياسي في فلسطين ركزت دعمها نحو تمويله وتقويته. فيما لم يقم جندي إيراني بالاشتراك مثلاً في أي معركة ضد إسرائيل بشكل مباشر أو علني. لم تقم إيران بإطلاق النار على دورية إسرائيلية. وحين نقول، إن هذه ليست أول مرة تغتال فيها إسرائيل مسؤولاً إيرانياً كبيراً فهذا يعني أن من يقوم بالمواجهة المباشرة هي تل أبيب فيما تكتفي إيران بالمواجهة غير المباشرة دون تحمل المسؤولية، أن تقاتل بجنود غير جنودها وتكتفي بدفع المال وربما السلاح دون أن تتعرض أراضيها للدمار وللصراع. فهي تقاتل خارج حدود البلاد لصالح البلاد وحتى لا يتم استهداف البلاد بشكل مباشر. هذه هي طبيعة المواجهة الإيرانية مع تل أبيب وهي لن تتغير.
ربما في أحسن الأحوال، ستقوم طهران باستهداف إحدى سفارات تل أبيب في الخارج، خاصة في دولة لا يثير وقوع ذلك في أراضيها أي مشكلة أو أزمة أو صراع. وهذا أمر وراد رغم أنه قد لا يحدث هذه الأيام بل في وقت بعيد قليلاً. تذكروا قبل أيام وبعد الهجوم الإسرائيلي، ظهر للسطح مرة أخرى الهجوم على السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين في آذار العام 1992، حتى أن القضاء الأرجنتيني فجأة صحا من النوم وقال قبل يومين، إن طهران تتحمل مسؤولية الهجوم الذي وقع قبل اثنتين وثلاثين سنة، هل تتخيلون! وكأن ثمة هناك من يريد أن يقول، إن هذه بتلك، وأن طهران مبكراً ردت على إسرائيل حتى قبل وقوع الهجوم الإسرائيلي. طبعاً وهذا لن يغضب طهران بل سيسعدها لأنه يعني تبريد احتمالية الرد وتعميق النقاش حول طبيعته. وحين يكثر النقاش تأكدوا أن الفعل يصبح أيضاً خاضعاً للنقاش وبالتالي مجرد فكرة محتملة قد تحدث وقد لا تحدث وفي الغالب لا تحدث.
المهم أن حرباً جديدة لن تندلع وان وساطات ونقاشات وتهديدات بتسخين الوضع ستقود إلى نقاش أكثر حول الخطر. وتذكروا مقولة طهران فهي فعلاً في حالة حرب مع تل أبيب وهي تساهم في الحرب الدائرة في غزة. ألم تصدر بعض التصريحات سابقاً عن طهران تجعل المقاومة في غزة جزءاً من الحرب الإيرانية وثورتها. بالتالي لا حاجة لحرب، فالحرب موجودة وإيران تقاتل وتل أبيب اغتالت شخصية مرتبطة بفيلق القدس المرتبط بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية.