بعد أن بدا أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وكأنها أخذت في تعديل مسارها ومواقفها إزاء حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، أعادت الضربة الإيرانية الأمور إلى طبيعتها وحقائقها المُرة.
ربما كان ذلك من بعض فضائل الضربة الإيرانية، بما أنها أعادت التذكير بدور ومخططات الدول الغربية وأهدافها إزاء الحرب الجارية على مساحة الشرق الأوسط ابتداءً من فلسطين.
هو تذكير مستحق، لمن عادوا إلى خطاب المراهنة على الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، بعد أن تناسوا لبعض الوقت، أنّ مجريات وآثار الحرب لم تحدث شرخاً في التحالف الدولي الذي يخوض الحرب، ويغذّيها بكل أدوات الدمار، والشرعية الدولية الزائفة.
منذ يوم السبت المنصرم، حين قامت إيران بضرب إسرائيل جنّد «الغرب» آلته الحربية والإعلامية والسياسية لإدانة ما قامت به إيران، وللتأكيد نظرياً وعملياتياً، على رسوخ التزام الدول الغربية بالدفاع عن إسرائيل وضمان أمنها.
مرة أخرى، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وإدانة ما يسمّونه العدوان الإيراني عليها، واستدعاء مجلس الأمن لغرض تبنّي هذه الإدانة، رغم أن تلك الدول رفضت إدانة القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق، بالرغم من أن ذلك ينتهك كل القوانين والأعراف الدولية.
بعض المتثاقفين ومنتحلي الخبرة السياسية انساقوا خلف الحملة «الغربية» على إيران، وأخذوا يكيلون لها الشتائم واللوم والتشكيك، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهامات بأنّ ما وقع ليس أكثر من مسرحية هزلية.
لا يُلام الإعلام «الغربي» الموالي لإسرائيل وحلفها «الغربي»، ولكن أليس من العيب على هؤلاء من العرب، الذين يمتنعون عن نقد السياسات والمواقف والأداء العربي، بعد أكثر من ستة أشهر على حرب الإبادة؟
كثير من الأنظمة العربية انتهجت سياسات ومواقف عملية لصالح الكيان الصهيوني، لم تنفع في إخفائها كلّ التصريحات والبيانات التي تظهر تعاطفاً مع أهل غزّة.
حين تكون مواقف العرب على هذا النحو المخجل، لا يجوز لأحد عربي أن يلوم غير العرب، وأن يساهم في قلب الحقائق ومنحها تفسيرات لصالح الحلف «الغربي» الإسرائيلي.
لنفترض أن ما قامت به إيران لا علاقة له بدعم المقاومة والشعب الفلسطيني، ولكن أليس مهماً أن يبادر أيّ طرف في هذا الكون للاشتباك مع العدو الاحتلالي؟
لقد صفّقنا وصفّق الكثيرون للدور الذي تقوم به جنوب إفريقيا ونيكاراغوا، بالاشتباك مع إسرائيل وحلفائها على جبهة العدالة، والقانون، في حين غابت المنظومة العربية حتى عن القيام بهذا الواجب.
من يتحدّث عن المسرحية الإيرانية، ينظر فقط إلى الإبلاغ المسبق للولايات المتحدة ودول أخرى، وينظر إلى عدد القتلى وحجم الدمار الذي أحدثته المقذوفات الإيرانية، رغم اعتراف إسرائيل بوصول بعض الصواريخ الباليستية إلى قواعدها العسكرية داخل صحراء النقب.
في الواقع، فإن دولاً كثيرة من بينها عربية، ساهمت في اعتراض المقذوفات الإيرانية، واستقدمت الولايات المتحدة المزيد من وسائل الدفاع الجوي، وفعّلت كل قواعدها المنتشرة في أرجاء المنطقة، ما كان له الفضل في اعتراض المُسيّرات والصواريخ الإيرانية.
لو كان الأمر قد اقتصر على قدرات إسرائيل الدفاعية لكانت فشلت في اعتراض المقذوفات الإيرانية، فلقد فشلت «القبّة الحديدية» ووسائل الدفاع الأخرى في اعتراض القذائف من جنوب لبنان، ما استدعى من جيش الاحتلال الإسرائيلي التحقيق في أسباب ذلك.
هكذا ينجح نتنياهو في كلّ مرة في توريط الولايات المتحدة والحلف «الغربي»، الذي هرع بعض زعمائه لزيارة دولة الاحتلال بدعوى إقناع حكومة الحرب الإسرائيلية بالامتناع عن الردّ، حرصاً على عدم تدحرج الأوضاع نحو توسيع دائرة الحرب.
بعضهم يستدرك بمطالبة إسرائيل بإجراء حساب دقيق لطبيعة الرد، بحيث لا يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية ما يعني أن هؤلاء لا يرفضون الرد الإسرائيلي من حيث المبدأ.
منذ بداية الحرب على غزة لم نشاهد نتنياهو مبتسماً، إلا بعد أن نجح في إعادة حشد وتوريط حلفائه في الانخراط الحقيقي والفاعل في الدفاع عن كيانه، وتجنيدهم ضدّ إيران.
يحلم نتنياهو بأن واقعة اشتراك حلفائه «الغربيين» في التصدي الفاعل للمقذوفات الإيرانية، قد أعادت الحرب الشرعية، وبأنه في وضع يسمح له، بإقامة «حلف سنّي»، بقيادة الولايات المتحدة وشراكة كاملة من قبل كيانه، بذريعة مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدّد استقرار وأمن المنطقة.
يشجّع الدور الذي قامت به الولايات المتحدة والحلفاء «الغربيون»، و»المتعاونون العرب»، نتنياهو على المضي قدماً، نحو إدامة وتوسيع الحرب على مختلف الجبهات.
نتنياهو لن يتأخّر كثيراً في الرد على الرد الإيراني، ولا نظن أن الرد الإسرائيلي سيكون محدوداً أو بسيطاً، بحيث لا يؤدي إلى الرد على الرد، ولقد لاحظ الكل أن نتنياهو أقدم منذ البداية، ولا يزال يُقدِم على أفعال استفزازية تستجلب ردوداً، وردوداً على الردود، لضمان استمرار الحرب، والتهرب من المحاولات الرغبوية الأميركية، التي سعت كل الوقت لمحاصرة ميدان الحرب، وضمان عدم انزلاقها نحو حرب إقليمية.
نتنياهو وكاتس من محور نتساريم: حماس لن تحكم غزة
19 نوفمبر 2024