هل تتحدى إسرائيل العالم وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية وتجتاح محافظة رفح جنوب قطاع غزة؟ هذا هو سؤال الساعة المتداوَل في مختلف التقارير الإخبارية وبين جموع المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون أوضاعاً صعبة في غزة.
ثمة مؤشرات على أن إسرائيل ستمضي في ترجمة القرارات التي اتخذتها القيادتان السياسية والعسكرية لاجتياح رفح، ذلك أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سبق وأن صادق على قرار يتضمن توسيع العملية العسكرية في هذه المحافظة الجنوبية، وبالمثل وافق وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان هيرتسي هاليفي على خطة الاجتياح.
إسرائيل مارست لعبة خبيثة لمحاولة شرعنة اجتياح رفح، إذ فتحت خطوط اتصالات ساخنة بين نتنياهو ورئيس الولايات المتحدة جو بايدن وأكثر من رئيس دولة غربية، للتباحث في إمكانية السماح لتل أبيب بدخول رفح دون إحداث جلبة دولية كبيرة.
بعض التقارير الإعلامية تناقلت موافقة الرئيس الأميركي ضمناً على خطة إسرائيل لاجتياح رفح بضوابط معينة، مقابل امتناع الأخيرة عن الرد العسكري الحازم على إيران، وكذلك طرح موقف آخر من قبيل سعي الدول الغربية لعزل طهران وتوسيع نظام العقوبات السياسية والاقتصادية عليها مقابل عدم تصعيد الرد الإسرائيلي وغض الطرف عن عملية برية محتملة في رفح.
ومن غير المستبعد أن تكون إسرائيل قد "اشترت" سكوت واشنطن وبعض العواصم الأوروبية الغربية مقابل تمرير ورقة المساعدات الإنسانية، وفتح الطريق أمام وصولها إلى سكان قطاع غزة، وكذلك تقديم ضمانات لتحديد أهداف خطة اجتياح رفح وتجنب استهداف المدنيين.
بصرف النظر عن صحة هذا الأمر، يمكن القول إن إسرائيل ماضية في اجتياح رفح، وهناك استعدادات تجري على قدم وساق لتعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي بزيادة عدد قوات سلاح المدفعية وناقلات الجند المدرّعة وغرف العمليات المتنقلة في المناطق الحدودية المتاخمة لرفح من جهة الشرق.
كذلك جرى في الأيام الماضية استدعاء لواءَي احتياط وتكثيف القصف الجوي على رفح تمهيداً للاجتياح البري، ومن المحتمل أن تتضمن خطط توسيع الحرب دفع السكان في هذه المحافظة الجنوبية إلى مغادرتها من جهة الشرق وأقصى الجنوب إلى الخاصرة الغربية ممثَلة بمنطقة المواصي.
قد يدفع الاحتلال بتعزيزات عسكرية تجتاح بالتدريج مناطق محددة في رفح عبر سياسة القضم بالقطعة بعد إزاحة سكانها إلى مناطق مجاورة، ومن ثم إعادة المواطنين إلى المناطق المجتاحة وهكذا دواليك، أو قد يلجأ إلى نظرية إسقاط المناطق مثل قطع "الدومينو" ودفع النازحين للذهاب إلى منطقة المواصي المتاخمة لشاطئ البحر.
الاجتياح البري لرفح بالتأكيد سيكون مدعوماً بالقصف الجوي والمدفعي، وقد يبدأ بطيئاً وبشكل محسوب ومدروس لتجنب سقوط أي قتلى في صفوف الجنود، خصوصاً في البدايات الأولى للعملية البرية، ولا يبدو أن الأساس لهذا الاجتياح هو إنهاء حكم "حماس".
إذا كان هذا هو الهدف فيمكن القول إن الأولى لإسرائيل أن تنهي وجود "حماس" في شمال قطاع غزة ووسطه، قبل أن تفتح جبهة قتال جديدة في رفح، لكن كل الفكرة تتعلق برغبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في إطالة أمد هذه الحرب.
لقد كان واضحاً أن إسرائيل لم تحقق أهدافها في شمال غزة ووسطها، بدليل أنها مع كل القصف الجوي والمدفعي والاجتياح البري ثم التموضع وسط القطاع، أعادت الدخول إلى محيط مجمع الشفاء وبعض المناطق في جباليا وبيت حانون، ولم تحقق شيئاً سوى ارتكاب المزيد من المجازر.
يريد نتنياهو إضعاف قدرات "حماس" بإطباق الحصار عليها إلى أطول وقت ممكن، وكذلك هو مهتم جداً للحصول على أي معلومة بشأن أسراه المحتجزين لدى "حماس"، وهذان العاملان إذا توفرا من شأنهما أن يحققا له مكاسب سياسية تنجيه من حتمية السقوط من الهاوية.
رفح هي آخر محافظة في غزة لم يدخلها الاحتلال الإسرائيلي بعد، وهو يفعل ذلك حتى يحسن شروطه التفاوضية، لكنه لن "يجني من الشوك العنب"، وأغلب الظن أن يكون حال رفح مثل حال باقي المحافظات التي طالها التدمير والخراب.
ثم إن إسرائيل ستحاول تسويق فرضية أنها ستتجنب استهداف المدنيين خلال اجتياحها رفح، لكن العالم يشاهد حجم الضحايا من الشهداء الذين يسقطون يومياً في هذه المدينة وغيرها، ولا يستبعد أن تتحرك الآلة الإعلامية الغربية لخدمة التوجهات الإسرائيلية.
كذلك ستدّعي إسرائيل أن سبب اجتياح رفح يأتي نتيجة فشل المفاوضات في قطر ومصر، وأن دخولها الضروري يمكن أن يخدم العملية التفاوضية ويحقق لها أفضلية في صياغة إطار أو تصور لنهاية الحرب يلبي شروطها بما يتضمن إنهاء حكم "حماس" في غزة.