رغم أن موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية ما زال في أوله، فلم يتم _ بعد _ تحديد مرشحي الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، اللذين عادة ما يتواجهان، في الجولة النهائية للانتخابات، بعد مشقة خوض ماراثون، بين عدة متنافسين، عادة، على ترشيح الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، إلا أن التراشق المبكر بين أبرز المرشحين على الجانبين، خاصة فيما يخص السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تجاه ملف الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، يبدو أمراً غريباً، ومثيراً للاهتمام، لاهتمام المراقبين والمتابعين، من الفلسطينيين من أمثالنا على الأقل.
يتم هذا في الوقت الذي أعلن فيه عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركية جون كيري، تبدأ بالعاصمة الأردنية، عمان، ثم بلقاء كل من الرئيس محمود عباس، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في رحلة _ على ما يبدو _ من الرجل لوداع المنطقة، أو من أجل القول بان واشنطن ما زالت تمسك بمقاليد الأمور في المنطقة، رغم أن روسيا أصبحت أكثر نفوذا ميدانيا وسياسيا في ملفات عديدة من أميركا، وفي الوقت الذي تسعى فيه فرنسا، حليفة الولايات المتحدة، لأن تملأ الفراغ الذي تتركه واشنطن وراءها عادة في عام الانتخابات الرئاسية.
لا يبدو أن واشنطن منزعجة، أو أنها تسعى لقطع الطريق على المبادرة الفرنسية، ورغم ترحيب القيادة الفلسطينية بمبادرة باريس، وما يشاع عن انزعاج إسرائيلي، أو عدم ترحيب تل أبيب بالمبادرة المذكورة، فإننا _ لا نعتقد _ بان المبادرة تتضمن ما هو مزعج أو ضاغط على الجانب الإسرائيلي، بما يستوجب تحركا من واشنطن لاحتواء أو لإجهاض أو قطع الطريق على المبادرة المذكورة.
بتقديرنا _ ليست إسرائيل وحسب_ من هي بحاجة إلى وقت ما، لترتيب أمورها الداخلية، في انتظار حسم أو اتفاق متوقع هذا العام، لأحد أكثر فصول ملفات المنطقة دموية وتأثيرا، ونقصد الملف السوري، بل أكثر من طرف وأكثر من دولة، لذا فليس هناك ضير من " تمرير " الوقت في الإيحاء بالاهتمام بالملف الفلسطيني، لاحتواء احتمالات انزلاق هبة السكاكين لما هو أصعب، أي لحالة من المواجهة الخارجة عن السيطرة، سيطرة السلطة والفصائل، على الجانب الفلسطيني، وسيطرة إسرائيل بأجهزة أمنها وجيشها ومستوطنيها على الجانب الإسرائيلي.
فقد قدمت باريس رسميا نص مبادرتها للجانب الإسرائيلي، الذي يمكنه أن يرفضها، وحينها سيتبين إن كانت باريس تصر عليها أم لا، مع أن المعلن حتى الآن، من نصوص المبادرة يقول بأنها مكونة من ثلاث مراحل، تبدأ الأولى منها بمشاورات خلال شباط وآذار حول فكرة عقد المؤتمر، والمرحلة الثانية في آذار / نيسان، بمشاركة دول الدعم، الراغبة في تحريك عملية السلام، ثم يعقد المؤتمر الدولي في حزيران أو يوليو، لتحريك المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين !
هذا هو الهدف النهائي، بعد مضي نحو نصف عام من البدء بالبحث حول المؤتمر، وهو تحريك المفاوضات، وليس التوصل إلى حل سياسي، فضلا عن فرض الحل ! ومع ذلك ربما أن فكرة المؤتمر الدولي بحد ذاتها، ليست مريحة للإسرائيليين والأميركيين بالطبع، لأنها تخرج الملف من بين " الراعي الوحيد " السابق لعملية السلام، واشنطن، ولأنها على الأقل فيما يخص الثقافة السياسية وربما كمفردة إعلامية، تفتح الباب لطرح الملف الفلسطيني / الإسرائيلي على طاولة الاهتمام الدولي، والبدء بترويج فكرة رعايته ومن ثم حله عبر المجتمع الدولي.
فقد ينتهي المؤتمر بتشكيل لجنة دولية توصي _ مثلا _ بضرورة رعاية الأمم المتحدة له، أو بإصدار قرار دولي بإقامة دولة فلسطين، مع أن هذا يبدو أمرا شبه مستحيل.
المهم، أن إسرائيل بحكومة نتيناهو ودعم المعارضة الإسرائيلية تواجه انتفاضة السكاكين، دون هلع أو خوف، لذا فهي تغلق الأبواب في وجه رغبة فلسطينية بالجلوس على طاولة التفاوض السياسي، وما لم يتطور الوضع الميداني، الذي ما زال يوقع الخسائر البشرية والاقتصادية في الجانب الفلسطيني دون الإسرائيلي، والانتقال من مرحلة التحذير والتهديد إلى مرحلة الإيذاء، فلن تتغير السياسة الإسرائيلية ولن تقبل بمجرد مناقشة إنهاء الاحتلال، فضلا عن تطبيق حل الدولتين وما إلى ذلك، وستستمر في العمل على الأرض، لتضع حدا للمخاطر الأمنية الناجمة عن هذا الاحتلال والتي تستهدف جيشها ومستوطنيها، على المدى البعيد وليس القصير، أي أن تضع أسس وقواعد الحل أحادي الجانب، بنفسها، ودون تفاوض مع أحد!
-