" عطا الله شاهين " العناقُ الأخير تَحْتَ المطرِ

thumbgen (2)
حجم الخط

خرجَ ذاك الرّجُل مع حبيبته بعد أنْ بدأتْ مياه الأمطار تدفّق إلى بيتِه، لكنه لمْ يردْ مغادرته لكونه له ذكريات جميلة في بيتٍ بناه مِنْ تعبِه، وفي تلك اللحظات اقتربتْ حبيبته تلك المرأة بقدِّها السَّاحر وبدأتْ تحتضنُه بجسدِها الدّافئ، وقالت له: هيا نبتعدُ مِنْ هنا قبل أنْ نغرقَ ونموتَ هنا، فلا أحدٌ سينقذنا، فبيتُكَ بعيدٌ عن كُلِّ البُيوتِ، ولنْ يسمعَنا أحدٌ ليأتي لإنقاذنا، فالأفضل أنْ نذهب، وبعد أنْ أقنعته خرجا سويةً تحت المطرِ وسارا في طريقٍ تغمرها المياه، وفي الطّريقِ همستْ له عنْ عناقِها له على جسرٍ تتوق كُلّ يومٍ أنْ تقفَ عليه لتنظرَ إلى الطّبيعة الخلّابة..

فحبيبة ذاك الرّجُل بكلماتِها الرّائعة وبهمسِها المُثير استطاعتْ أنْ تأخذَه إلى ذاك الجسرِ كيْ يتذكّرا عناقَهما الأوّل، والذي كانَ تحت المطرِ، لكن ذك الرّجُل كانتْ دُموعه تسيلُ على وجنتيه، لأنه علِمَ بأنّ السّيول ستقتله بعد قليلٍ فلا مفرّ أمامه، وحينما وصلا ذاك الجسرِ الخشبيّ، وقفا سويةً ينظران نظراتٍ أخيرة إلى الأشجار الحانية، واقتربتْ منه وقالتْ: أتذكرُ صخبكَ الرَّائع على هذا الجسر، حينما همستَ لي عنْ الحُبِّ.. كانَ المطرُ حينها يشتدّ غزارةً، ولكنهما لمْ يعدا يأبهان للمطرِ مع أنَّ ملابسهما تبللتْ تماما.

كانَ ذاك الرّجُلُ يقولُ لها : ما أجملَ العناق تَحْتَ المطرِ ولربما سيكون عناقنا الأخير هنا، لكنّها اقتربت منه وقالت : دعني أُراقصكِ رقصةً أخيرة تحت هذا المطر المجنون، فبدآ يرقصان، والسيول بدأت تفيض، واقتربتْ من سطح الجسر، لكنهما ظلَّا يرقصان بكُلِّ متعة، والجسرُ بدأ ينهارٌ تحتهما، لكنّها كانتْ تُراقصه بكلِّ حُبٍّ شغف، واحتضنته بعنفٍ، وكأنها علمتْ اقترابَ لحظة الموت، وعلمت بأنَّ هذا العناق سيكون الأخير.

وبعد دقائق من رقصهما خرّ الجسر، وقالت له: ما أجمل عناقنا الأخير، لأنني أشعرٌ بحُبِّ الحياة، لكننا نحمد الله على كل شيء، فابتسم ذاك الرجل وقال : ما أجمل احتضانكِ لي اليوم، لأنّه كانَ مختلفاً، ففي عناقكِ شعرتُ بدفءٍ غير عادي، وما هي إلا لحظات حتى جرفتهما السّيول..