عن نذر الحرب الإقليمية القادمة في المنطقة وغموض الدور الإسرائيلي فيها

كاتب
حجم الخط

هل الحرب العالمية الثالثة على وشك ان تدنو من الأبواب؟ ليست هنا بالطبع الأبواب التي هجرها الاحباء في ضيع الرحابنة التي ترددها السيدة فيروز اطال الله في عمرها في اغنياتها القديمة، ولكنما أبواب جهنم والسعير وايذان قيام الساعة بتمام يوم القيامة. فهل نحن قريبون الآن اكثر من أي وقت مضى من هذه الحرب الأخيرة؟ والجواب هو: كلا. 


وذلك لأن تعريف وقياس وشرط انفجار هذه الحرب انما يقوم على استعداد قوتين فقط ورجلين يملكان القرار بالذهاب اليها، هما روسيا ممثلة بأبو علي بوتين واميركا ممثلة بباراك أوباما، ولما كان الأول مفتونا بالقوة وإعادة امجاد وماضي الإمبراطورية الروسية ويمثل في هذه القصة دور الزعيم، ولكن الرجل الذي لا يخلو من مسحة صبيانية متهورة، فإن من حسن طالع عالم اليوم الذين يعيشون على سطح الكرة الأرضية، ويرقبون الأحداث بانفاس مقطوعة، ان باراك أوباما هو الذي يمثل دور الرجل العاقل في هذه الدراما العالمية، وعلى النقيض من بوتين لا يبدي أي هوس بهذا الهراء الذي كانه الماضي القريب للولايات المتحدة بوصفها ذات هيبة امبراطورية، وانه برهن عن فطرة سياسية ماكرة بما يكفي لجعل روسيا والجميع يحترقون في هذه الهاوية السورية من دون ان يحرق أصابع أميركا. ويكتفي من كل ذلك بأداء دور المعلق والحكم دون ان يتدخل بصورة مباشرة للتأثير على مجريات هذه الأزمة بصورة حاسمة. ولذلك فإن شرط او وضعية رقصة التانغو غير متوترة هنا لعدم رغبة أوباما بقبول المبارزة، بترك بوتين يواصل منفرداً مقامرة لعبة الروليت الروسية التي تعني انتحاره.


لكن السؤال أي تصور نحمله نحن المشاهدين لهذه الحرب ووقودها على حد سواء ان وقعت؟ والواقع ان الحروب العالمية الأولى والتي جرت بين احلاف أيضا في زمن الحكم المطلق والاقطاع، اتصفت عموما بأنها كانت حروبا متطاولة في الزمن قد تمتد الى أجيال، وهي جرت حصراً على المسرح الأوروبي: حروب المئة عام وحرب الثلاثين عاما كما سميت نموذجاً. 
لكن حروب الرأسمالية في القرن العشرين والتي اكتسبت طابع العالمية كما في الحربين الأولى والثانية، فإنها لم تقتصر على القارة الأوروبية وانما امتدت الى آسيا وافريقيا، وكان الملاحظ أيضا اختصارها في الزمن، اذ لم يتجاوز الخمس سنوات وانتهت في المرتين بنتائج حاسمة أي «غالب ومغلوب»، ونشوء نظام عالمي جديد برأسين او قطبين. لكن الملاحظ اليوم ان الخبر الجيد ان الحرب ان وقعت سوف تختزل في الزمن ربما بأيام او ساعات محدودة، أما الخبر السيئ فإن أحداً لن يبقى على ظهر البسيطة لتسجيل وقائعها للتاريخ، اذا كان التاريخ والحياة البشرية على كوكب الأرض سوف تنتهي، اذا كان السلاح المطلق هو أداة هذه الحرب. فهل هناك أحد مستعد بسبب ازمة داخلية او إقليمية في سورية للذهاب الى هذا الحد؟ وأجاب باراك أوباما على السؤال الذي طرحه بنفسه بأنه لن يذهب الى هذه الهاوية.


وهكذا فإن السؤال الذي يترتب على هذا الاستنتاج هو: هل قررت الولايات المتحدة الاستسلام امام روسيا وتسليم سورية وما بعد سورية الشرق الأوسط كله الى روسيا؟ وما هي الخيارات الأخرى أمامها كبديل عن الحرب او الصدام المباشرة مع روسيا؟ لكن طرح هذا السؤال الصعب لا يبدو اليوم موجها لأميركا وانما بالدرجة الأولى الى تركيا والمحور السني الإقليمي، اي في وجه تركيا والسعودية وقطر، وحيث الواقع الراهن تحالف ضد تحالف روسيا وإيران وسورية وحزب الله والعراق من جهة مقابل تركيا والسعودية وقطر، وهي مواجهة فيما يبدو لا تنطوي على اية إمكانية للتسوية، وهو الانسداد الذي ادى في مثال الحروب الأوروبية للذهاب في كل مرة الى الحروب الإقليمية المتطاولة. وهذا ما حذرت منه روسيا تركيا ان هي قررت التدخل العسكري المباشر بقواتها في سورية.


إن الدراما التاريخية والسياسية كما المآسي الإنسانية في الحياة العادية، انما تقتفي عقدتها بصورة حتمية غير القابلة بالانفتاح على حل آخر سوى هذه الحتمية المأساوية. التي تبدو كإشكالية قدرية، وان نذر هذا الحل للأسف هو ما يلوح في أفق هذا الصراع، لا على سورية ولكن على الشرق الأوسط، وخصوصا بعد الانفجار الأخيرة في قلب العاصمة التركية. تركيا التي تجد نفسها وقد تم حشرها في الزاوية تنزلق او تسير رويداً رويداً وبما يشبه الاندفاع بقوة لا إرادية، وضع اللا خيار نحو هذه الحتمية حينما تصبح المسألة الحياة، البقاء او الموت أما نحن او هم .


هو اذا احتمال الحرب الإقليمية ولكن حينما نتحدث عن هذا الاحتمال فإن سؤالا أخيراً لا بد ان يطرح، وهو: اين تقف إسرائيل هذا اللاعب الذي لا يزال يحيط موقفه بالغموض من اطراف هذه الحرب او المواجهة القادمة؟ وهنا يمكن التوقف عند بعض الإشارات الدالة: 


1- تهديدات حسن نصر الله غير المسبوقة لإسرائيل بقصف حاويات غاز الأمونيا، والكشف في الوقت نفسه عن أسلحة جديدة يمتلكها الحزب ان اختارت إسرائيل الانضمام الى المحور التركي السعودي. وهو تهديد لا يبتعد عن تحذير مبطن من قبل الحلف الروسي الإيراني، حتى وان كان الحديث يتم ولا يزال عن تفاهمات بين روسية وإسرائيل تشمل التنسيق الأمني فيما يتعلق بالأزمة السورية.


2- تصريحات وزير الخارجية السعودي، ان وافقت اسرائيل على مبادرة السلام العربية بتطبيع العلاقات معها، وهو الموقف الذي يجب أخذه في هذا السياق بالنظر الى توقيته في نفس الوقت الذي تحرز فيه المفاوضات التركية الإسرائيلية تقدما، لاعادة ترميم العلاقات بينهما. قدراً ملحوظاً من التقدم.


3- ما هو الدور الذي تقوم به المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في إتمام هذه الطبخة بين تركيا وربما السعودية وإسرائيل، وهو ما يفسر ذهاب نتنياهو الى برلين بعد زيارة ميركل بأيام الى تركيا، ثم استدعاء صائب عريقات من قبل وزارة الخارجية الألمانية بعد استدعاء نتنياهو؟ وهنا قد يكون من الواضح ان نتنياهو معني بالتقطيع على الموقف والمبادرة الفرنسية، ولكن الواضح أيضا ان ثمة شيئاً ما بل وجوهريا في الحراك الألماني له صلة بالموضوع الفلسطيني، وبالمقابل أيضا فإن ما تم الحديث عنه بالتزامن مع كل ذلك، عن قصف إسرائيل لمواقع تتبع النظام السوري جنوب دمشق، ربما يكون العربون الإسرائيلي اذا كانت الازمة الإقليمية تطرح امام إسرائيل الفرصة التاريخية.