حرب الإبادة والتصفية.. والحاجة لقرار فلسطيني شجاع طال انتظاره

image_processing20230801-700669-7pfmr5.jpg
حجم الخط

بقلم جمال زقوت

بينما تستمر حرب الإبادة ضد شعبنا في قطاع غزة، ويتسع نطاق الكارثة الإنسانية، تتواصل حرب الاستيطان والضم في محاولة من حكومة نتنياهو، سموتريتش، بن غفير "لحسم مستقبل الضفة الغربية، بما فيها القدس لإجهاض قدرة الشعب الفلسطيني على انتزاع حقه في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس المحتلة على كامل حدود 1967".

عزلة حكومة نتنياهو وتفكك الإجماع حول الحرب

وفي وقت تتعمق فيه عزلة حكومة الحرب الاسرائيلية التي باتت رهينة وهم قدرة اليمين الفاشي على تصفية القضية الفلسطينية، باستكمال فصول النكبة، تواصل إدارة بايدن بلع لسانها إزاء تمرد نتنياهو على واشنطن، حيث أنه ومنذ بداية الحرب البرية يدير ظهره لكل المطالب الأمريكية، وآخرها اجتياح رفح واحتلال المعبر رغم ما يسببه ذلك من تعميق للكارثة الإنسانية. هذا في وقت تتراجع فيه الإدارة عن مواقفها المعلنة إزاء الحديث عن سلطة موحدة تدير وتحكم الضفة والقطاع. إن عدم التدخل لمنع اجتياح أجزاء من رفح واحتلال معبر رفح الشريان الأهم للإغاثة الإنسانية، تحت ذريعة محدودية الاجتياح البري للمدينة، والذي هو في الواقع يتطابق مع حاجة نتنياهو لإطالة أمد الحرب، وعدم استعجال لحظة الحقيقة التي ستؤكد فشله التام في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، بما في ذلك، فشل استعادة الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة.

إفشال مفاوضات الصفقة وإنهاء الحرب

لقد أفشل نتنياهو المقترح الأمريكي الذي عمل عليه مدير الـ"CIA" بيرنز مع مصر وقطر وحصولهما على موافقة حركة حماس، بعد موافقة بيرنز على الضمانات المتصلة بالتنفيذ والوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب الشامل من القطاع كنتيجة لتنفيذ مراحل الاتفاق الثلاث. إلا أن بايدن حاول، وفي سياق ذات السياسة منذ بداية الحرب، أن يلقي الكرة في ملعب حماس، الأمر الذي كشف حقيقته غانتس في مؤتمره الصحفي عندما اعتبر أن الاتفاق كان متوازناً وكان يمكن تطويره، ملقياً مسؤولية وقف المفاوضات على نتنياهو. وقد أكد ذلك العديد من المسؤولين العسكريين والأمنيين والسياسيين الإسرائيليين، بأن إعادة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة لا يمكن أن تتم دون اتفاق، وأن هذا الأمر لا يشكل أولوية لعصابة الثلاثة "نتنياهو- سموتريتش- بن غفير"، كما أكد بعضهم أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، وغير قادرة على تحقيق أهدافها وفق استراتيجية الحرب المفتوحة التي يقودها نتنياهو، الأمر الذي ينذر بمزيد من التصدع في حكومة الحرب، كما في المجتمع الإسرائيلي برمته، والذي بات يشعر بخطورة الضرر الذي تلحقه هذه السياسة على إسرائيل ومكانتها الدولية، وعلى علاقتها مع واشنطن ومصالحها في المنطقة .

تحولات الوعي الدولي بجذور الصراع

كارثية الحرب على شعبنا في قطاع غزة وَلَّدت حركات احتجاج وانتفاضة كونية واسعة النطاق، بما في ذلك في الولايات المتحدة، والتي سرعان ما انتقلت للجامعات وبعض النخب الإعلامية والأكاديمية، وبما يشير إلى مدى عمق التحولات الجارية في الوعي الدولي إزاء جذور الصراع، ومتطلبات حله انطلاقاً من ترابط وقف العدوان بانهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره المغيب منذ النكبة، الأمر الذي بات يضغط بصورة واضحة على الإدارة، بل وعلى مؤسسات الدولة العميقة في واشنطن.

نتنياهو يلعب بالمصالح الأمريكية

من الواضح أن إدارة بايدن بحاجة لإنجاز يمكنها من عبور السباق الانتخابي، وهي تدرك أنه إذا أملت الحرب طي صفحة مسار التطبيع كإنجاز جوهري، فقد باتت على قناعة، وبفعل ربط السعودية لهذا المسار، ليس فقط بوقف الحرب، بل وبمسار غير قابل للتراجع نحو إقامة دولة فلسطينية، بأن قدرتها على المضي بهذا المسار تتطلب الوقف العاجل للحرب، الأمر الذي يواصل نتنياهو رفضه، كما يرفض أي صفقة إقليمية تؤدي لقيام دولة فلسطينية. هنا يكمن مأزق استراتيجية بايدن والتي دون اتخاذ قرار يلزم إسرائيل بوقف الحرب، والانضمام للمسار الذي تحاول واشنطن فتح مجراه، فلن تكون قادرة على الإقلاع بمثل هذا المسار على الأقل في المدة المتبقية للانتخابات. فهل تستخلص إدارة بايدن ومستشاريه أن ساعة الرمل تنفذ وتذهب معها مثل هذه "الفرصة" التي ربما تحمل بايدن مجدداً للبيت الأبيض.

القيادة المتنفذة.. الغائب الأكبر عن المشهد

في سياق هذا المشهد يبدو أن الغائب الأكبر في ممكنات التأثير هي القيادة المتنفذة في المنظمة والسلطة على حد سواء، فهي ما زالت تسير وراء الوهم الذي تقدمه لها واشنطن، وتنأى بنفسها عن متطلبات الوحدة والتوافق، تحت عنوان أن هذا سيقود إلى مقاطعة السلطة دولياً، في الوقت الذي لم يعد المجتمع الدولي مكترثاً بشروط الرباعية الدولية أو بغيرها. هذا في الوقت الذي يواصل فيه نتنياهو تنفيذ مخططاته لضم الضفة الفلسطينية وفصل قطاع غزة عن الكيانية الوطنية الموحدة كمتطلب مصيري لانتزاع حق تقرير المصير في دولة مستقلة.

الحاجة للوحدة والانصياع للإرادة الشعبية

إدارة القيادة المتنفذة ظهرها لمطلب الإجماع الوطني إزاء الحاجة للوحدة، والإصرار على حكومة موالية غير توافقية يبدو أنها تصطدم بالامتناع العربي عن دعمها. ربما أن ذلك يعود لقناعة الأطراف المانحة بأن غياب مشروع سياسي واضح لهذه "القيادة"، وطبيعة تمثيلها للمكونات الفلسطينية، يجعلها غير قادرة على إنجاز الأولويات الماثلة أمامها، والتي تتطلب كحد أدنى حالة من التوافق الفلسطيني، ناهيك عن مواقف مختلف القوى والتيارات والحراكات الشعبية التي اعتبرت أن الانفراد بديلاً للتوافق والوحدة يلحق ضرراً خطيراً بالمصير الوطني، بل ويعرقل القدرة على مواجهة التحديات، ويبدد إمكانية استثمار التحولات الدولية التي تتسع وتتعمق يومياً.

فرصة محاسبة إسرائيل وكسر عنصريتها

يبدو أن المشروع الصهيوني التوسعي وصل مداه، ودخل مفترق إمكانية تراجع طابعه العنصري. هذا يفرض على القيادة المتنفذة ضرورة التواصل الفوري مع القوى والشخصيات الفاعلة في المجتمع، سيما التي تقود المقاومة، وليس تحميلها المسؤولية عن الجرائم، واستراتيجية التصفية التي تمارسها حكومة نتنياهو، فأمام شعبنا فرصة تاريخية لمحاسبة إسرائيل، وكسر عدوانيتها العنصرية نحو تفكيك احتلالها، وهذا يفرض علينا جميعاً منعها من النجاح في محاولة تفكيك الكيانية الوطنية، وما يستدعيه ذلك من ضرورة استعادة وحدة مؤسسات الوطنية الجامعة، والتوافق على مشروع سياسي ورؤية وخطاب وأدوات قادرة على استثمار تحولات هذا المفصل التاريخي. فهل تمتلك القيادة المتنفذة الشجاعة للتراجع عن وهم الرهانات، وسياسة التفرد وركوب الرأس، والعودة لمطالب الإجماع الوطني لضمان المواجهة الموحدة لمشروع التصفية العنصري، بل والتقدم نحو تحقيق أهداف شعبنا الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة على حدود عام 1967؟

لقد أفشل نتنياهو المقترح الأمريكي الذي عمل عليه مدير الـ"CIA" بيرنز مع مصر وقطر وحصولهما على موافقة حركة حماس، بعد موافقة بيرنز على الضمانات المتصلة بالتنفيذ والوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب الشامل من القطاع كنتيجة لتنفيذ مراحل الاتفاق الثلاث. إلا أن بايدن حاول، وفي سياق ذات السياسة منذ بداية الحرب، أن يلقي الكرة في ملعب حماس