السقوط في شِباك "المعلمين"

عبد الناصر النجار
حجم الخط

ندعو الله أن تُستأنف الدراسة في المدارس الحكومية كافة يوم غدٍ الأحد، وعلى الرغم من أن الوزارة واتحاد المعلمين أعلنا بعد الاتفاق بينهما، أول من أمس، أن الدراسة ستنتظم من جديد اليوم السبت، فلا بأس من إغفال يوم واحد، فقد لا يعني الكثير للذين لا ينظرون بعمق إلى الآثار الكارثية لإضراب مدّته يوم واحد، فاليوم الدراسي يعني ضياع 4.800.000 (أربعة ملايين وثمانمائة ألف حصة أو ما يساوي تقريباً 192 مليون دقيقة، وما يعادل 3.2 مليون ساعة تدريسية، فعلاً هي مجرّد أرقام... ربما لا تعني الكثير!.
ولكن يبدو أن الأمر لن يقف عند هذا اليوم، فخلال الأسبوع الماضي أضعنا ملايين الساعات التدريسية، في الوقت الذي تشتري فيه الأمم المتقدمة ساعات تعليمية إضافية للنهوض بواقع التعليم فيها... وحتى يظل التعليم الركيزة الأساسية لحضارتها وتطورها التكنولوجي والصناعي والاقتصادي والعسكري... .
نحن في فلسطين، لا يهمّنا ذلك، لأن طلبتنا ربما لن يخترعوا أشياء كثيرة في الأيام التي ضاعت عليهم، وربما عوّضوا ذلك باللعب على أجهزة «الآي باد» و»الآي فون» فهي، أيضاً، جزء من المعرفة العامة!!!
نعود للمشكلة الرئيسة إضراب المعلمين.. ما السبب؟ وهل العلاج من أطراف متعددة كان صائباً أم كان كالذي جاء ليكحّل فأعمى... بدايةً كلنا مع الديمقراطية حتى النجاح، ومع القانون الأساسي على الرغم من أنوفنا، والقانون يتيح حق الإضراب، كأداة للتعبير عن الآراء أو تحصيل الحقوق... وبما أن الإضراب يكفله القانون... فيجب أن نعرف كيف نستخدم هذا السلاح، لأن أي خطأ في استخدامه يعني أثراً عكسياً.
اتحاد المعلمين جسم شرعي، يجب ألا نشكك في الشرعيات وألا نهدمها فجأة... ولكن الشرعيات، أيضاً، يجب أن تكون على وعيٍ بأن جماهيرها بمعنى قاعدتها الانتخابية هي مؤشر على استمرار هذه الشرعية أو انتزاعها.. وهذا لا يتم إلاّ بالانتخابات.. وهنا أصبح لزاماً على اتحاد المعلمين أن يذهب في أسرع وقت ممكن إلى تجديد ثقة المعلمين به... فلا يُعقل أن يُصدر اتحاد المعلمين بياناً يدعو فيه إلى استئناف الدراسة، في حين تتعطل الدراسة في مدارس المحافظات الشمالية كلها.. من لا يفهم الرسالة فهو مخطئ. 
وعلى الرغم من ذلك يظل الاتحاد هو المظلة الشرعية التي يجب احترامها... ولكن كان على الاتحاد منذ اليوم الأول للاصطدام مع المعلمين أن يغير استراتيجيته ويتواصل مع قاعدته ويستمع إليها، ويسير في اتجاه مطالبها... وأن يعمل على توضيح صواب منهجيته.
ربما لو فعل ذلك الأسبوع قبل الماضي - عندما كان هناك إضراب بعد الحصة الثالثة وأُلغي بطريقة تسببت في تهييج آلاف المعلمين - لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
الخطأ الثاني الذي وقعنا فيه، هو إقحام السياسة في هذا الإضراب... ونحن كصحافيين كنا نتابع الأمر.. فمعظم الذين كانوا وراء الإضراب هم من كوادر حركة فتح في معظم المدارس... وإلاّ كيف نفسّر هذه التظاهرة غير المسبوقة يوم الثلاثاء الماضي أمام مجلس الوزراء، حيث قدرت ـ حسب مصادر المعلمين ـ بعشرين ألف معلم، إضافة إلى الاعتصامات الأُخرى أمام مقرات التربية والتعليم في المحافظات. هل تستطيع حركة أو حزب سياسي مهما كان أن يؤثر على جموع المعلمين وكأنهم قطعان ـ لا سمح الله ـ ... وبالتالي كان يجب الحذر من عدم تسييس هذا الإضراب... بل الأخطر في ذلك هو اتهام فصيل بالوقوف وراء الإضراب... وكان تساؤل المواطن العادي هل تستطيع أي حركة أن تجرّ الجماهير... وإذا صحّ ذلك فهي حركة خارقة... إذن كان يجب علينا الانتباه... والتأكيد على أن الإضراب مطلبي حقوقي... أما السؤال: هل تستطيع الحكومة تلبية هذه المطالب أم لا؟ فهذا شيء آخر.
الخطأ الآخر الذي وقعنا فيه هو حملة الاعتقالات التي طالت ما يقارب ثلاثين معلماً في الضفة... ومنذ اليوم الأول كنا ندعو إلى ألاّ يتم الإقدام على هذه الخطوة تحت أي ذريعة، لأن ذلك يضع مزيداً من الزيت على نيران المعلمين المشتعلة... فهذه الاعتقالات لم توقِف الإضراب بل زادته قوّة... بحيث كان الإضراب في اليوم التالي شاملاً ولم يذهب حتى الطلبة إلى المدارس؟!
ومن الأخطاء الأُخرى عدم الالتفات إلى اللجان التي أفرزها المعلمون، والتي بدأت تحدد الفعاليات على الأرض... نعم، هي جسم غير شرعي، ولكنها تعبّر عن إرادة... لماذا لم يلتقِ اتحاد المعلمين (الجسم الشرعي) مع هؤلاء للاطلاع على مطالبهم، لمناقشتهم، للتوصل إلى نقاط تفاهم معهم... حتى يبقى الاتحاد المظلّة الشرعية وحتى لا يُستثنى، أيضاً، المُعبِّرون عن حالة ليس إلاّ...
أما الخطأ الآخر الذي وقع فيه الجميع في شِباك المعلمين فهو أن الفعاليات الوطنية وعلى رأسها الكتل البرلمانية لم تتدخل بشكلٍ فاعل كوسيط بين جميع الأطراف، ربما للوصول إلى نقطة توازن تبقي الشرعي على شرعيته، وتستر عورة الحكومة الحالية بطريقة أو أُخرى، وتوقف ردّات الفعل غير المنطقية للنيل من الإضراب الذي تصاعد ولم يتوقف... 
تجربة إضراب المعلمين تجربة مريرة، لم نعالجها بمنطق الإضراب الحقوقي. فالمعلمون هم جزء أساسي من قوتنا النضالية والتعليمية.. فيما المعالجة على طريقة حرق الأصابع أدت إلى طريق مسدودة؟!!