نصر إسرائيلي مطلق أم هزيمة استراتيجية؟

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم : رجب أبو سرية


 

 رغم أن محاولات الرئيس الأميركي جو بايدن، لم تتوقف منذ ستة شهور مضت لوقف النار في غزة، إلا أن النجاح جانبه، رغم الجهد الاستثنائي الذي بذلته كل من قطر ومصر، إضافة إلى إصرار الإدارة الأميركية على إنجاز ما في هذا الصدد، لكن تحكم بنيامين نتنياهو المتحكم فيه بدوره كل من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، بالقرار الإسرائيلي، حيث مصلحة هؤلاء، مجتمعين تكمن في استمرار الحرب، حال دون تحقيق صفقة التبادل حتى الآن، ومع آخر محاولات بايدن، نقصد إطلاق مبادرته قبل أيام، يعود السؤال مجددا، إن كانت هذه المحاولة التي تبدو وكأنها الأخيرة، قبل أن ينخرط بايدن في حمى المعركة الانتخابية، ستنجح أم أن مصيرها سيكون كما كان حال كل المحاولات التي سبقتها، أي الفشل.
والحقيقة أن الطرفين، ومعهما الوسطاء الثلاثة، كانوا قد اقتربوا كثيرا قبل نحو شهر، من إعلان صفقة التبادل، لولا أن نتنياهو عاد إلى ألاعيبه المعروف بها، وتراجع عما كان قد وافق عليه، لأنه كان يظن بأن رفض المقترح سيكون من «حماس»، وتعلل بتعديلات قال الوسطاء إنها طفيفة، أي تلك التي كانت ما بين النص الذي قدم له ووافق عليه، والنص الذي قدم لـ»حماس» ووافقت عليه، والدليل على أن التعديلات لم تكن جوهرية، هو أن مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز كان على علم بها، وسمح بتقديم النص لـ»حماس»، حيث فاجأت الحركة يومها نتنياهو بموافقتها، وأسقطت تلك الموافقة تكتيكه الذي راهن به على رفضها، ورغم ذلك بلع بايدن وإدارته لسانهما، ولم يقيما الدنيا على رأس نتنياهو، لكن بايدن لم يحبط رغم ذلك، وها هو يعيد المحاولة مجددا، مرفقة بضغط من وزير خارجيته أنتوني بلينكن، على «حماس» مطالبا إياها بالموافقة على عرض الرئيس الأميركي، رغم إعلان بايدن الصريح، بأن العرض إنما هو مقترح إسرائيلي، قام هو بتظهيره، لتسويقه إلى «حماس».
وعادت «حماس» مجددا لتعلن بأن عرض بايدن إيجابي، فيما قام نتنياهو بتضمين رده على العرض الأميركي بالإصرار على تحقيق أهداف إسرائيل من الحرب، والتي تعني بكل وضوح بأنه يصر على حرب لأجل غير مسمى، حسب وصف بايدن نفسه، وهكذا فإن نتنياهو مع تزايد الضغوطات والضغوطات المضادة، صار أكثر ارتباكا، وبات بحاجة إلى كل دهائه وكذبه ومراوغته السياسية، لينجو ولو مؤقتا مما هو فيه، وآخر ما أعلن عنه ويلفت الانتباه هو عرضه وزارة الدفاع على زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، وهذا يدل على أنه بات يفكر جديا، في فتح الباب أمام بديل آخر، حتى لا يبقى بين خياري: اليمين المتطرف، الممثل ببن غفير وسموتريتش، مقابل يائير لابيد، الذي عرض عليه شبكة أمان، للموافقة على صفقة التبادل من اجل تحرير المحتجزين، مع ما تعنيه من وقف للحرب في نهاية المطاف.
ورغم أن أمام نتنياهو محاولة اللعب على التفاصيل، وحتى الفواصل بين المراحل الثلاث التي تنطوي عليها مبادرة بايدن، لكن ضمانة الوسطاء، تجعل من التملص من متابعة «خارطة الطريق» تلك محفوفة بالمخاطر، فهي على غير ذلك الاتفاق الذي كان في شهر تشرين الثاني الماضي.
وإزاء خيارين محددين يعني اختيار أحدهما أن ينتقل نتنياهو من مكان لآخر، ذلك أنه لم يعد بمقدوره أن يستمر على الطريق الذي بدأه قبل ثمانية أشهر، وهناك محطات صعبة أمامه، منها: مناقشة تمديد العمل بقانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، كذلك محطة بيني غانتس وغادي آيزنكوت الأخيرة في حكومة الحرب، ومع الموقف الصريح من بن غفير وسموتريتش بالخروج من الحكومة، في حال وافق نتنياهو على مبادرة بايدن، التي وافق عليها مجلس الحرب، تلك الموافقة التي أثارت حفيظة اليمين المتطرف، حيث ردت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، رفيقة سموتريتش في حزب «الصهيونية الدينية»، بالقول، إن قرار مجلس الحرب غير قانوني، في إشارة إلى وجود غانتس وغادي آيزنكوت في ذلك المجلس، وإن «الكابينت» حيث سموتريتش وأعضاء الائتلاف الحكومي هو المخول بالرد على مبادرة بايدن.
واضح تماما بأن «الضباب» يحيط بإعلان الرئيس الأميركي، والأمر لا يقتصر بتقديرنا على ما سيحدث خلال الأيام القادمة في ردهات التفاوض على التفاصيل في أروقة الدوحة والقاهرة، وحسب، بل بما سيحدث خلال الأيام القليلة القادمة داخل إسرائيل، خاصة أن وقف الحرب، ولو بشكل مؤقت أمر يحتاج له الجيش الإسرائيلي المرهق جدا، كذلك تحتاج له إسرائيل المنهكة سياسيا داخليا بسبب الخلافات على كل المستويات، وخارجيا مع توالي ليس فقط تظاهرات التنديد الشعبي ولا المواقف الرسمية المنددة بالحرب، حتى من قبل الدول الصديقة لإسرائيل، بل مع توالي السير على طريق القضاء الدولي، بتتابع الدول التي تنضم لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، أو تتابع اعتراف الدول خاصة الأوروبية بدولة فلسطين.
لأجل هذا يبدو أن ما أعلنه ليبرمان من أنه تلقى من نتنياهو عرضا بتولي وزارة الدفاع، على قدر من الأهمية بمكان، ذلك أن دخول ليبرمان ائتلاف الحكم، قد يجر معه أيضا جدعون ساعر، وربما بيني غانتس، لتعويض خروج بن غفير وسموتريتش، وبذلك يبقي نتنياهو على حكم اليمين، دون الحاجة لشبكة أمان المعارضة، ولا يعني عرض وزارة الدفاع التي يتولى مسؤوليتها حاليا يوآف غالانت على ليبرمان، أن تقع مشكلة لنتنياهو، فهو بذلك يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فغالانت ليكودي، ومن الطبيعي أن تتقدم مصلحة الحزب على مصلحة الشخص، ونتنياهو بذلك يؤكد لليكود بأنه قادر على التحرر من قبضة بن غفير وسموتريتش دون أن يعني ذلك أن يرتمي في أحضان لابيد ولا حتى غانتس، ودون أن يكون ثمن ذلك الذهاب بالطبع لانتخابات مبكرة. هكذا يبدو أن نتنياهو بدأ فعلا التحرك على أساس أنه سيفقد خلال أيام، إما مجلس الحرب، أي غانتس وآيزنكوت، أو أغلبية الكنيست، مع خروج بن غفير وسموتريتش من الائتلاف الحاكم.
وبالعودة إلى مبادرة بايدن، فهي تهدف بالدرجة الأولى إلى توفير دفعة لإنعاش حملته الانتخابية، حتى يكون فوزه على ترامب مضمونا، خاصة وأن إخراج ترامب من السباق اعتمادا على القضاء لا يبدو أنه أمر مضمون النجاح، وكالعادة قدمت واشنطن ما يجعل من جلسة مجلس الأمن الداعية لوقف النار استنادا لقرار محكمة لاهاي، جلسة عادية غير محرجة لواشنطن، أي أن تجد نفسها مضطرة لاستخدام «الفيتو» مجددا، ومع ذلك هي محاولة لاحتواء مراوغة نتنياهو وتهربه، الذي حدث قبل شهر، ولم يعد له الآن حجة، بعد أن منحته واشنطن الضوء الأخضر لتنفيذ العملية البرية في رفح، والتي كان دونها سيظهر، كما لو أجبر على وقف الحرب، دون أن يصل بها لآخر الطريق في رفح.
وفي حال رفضت «حماس»، وهذا بات أمرا مستبعدا، فإن واشنطن ستبرر بسهولة استخدام «الفيتو» في مجلس الأمن، وستبرر مواصلة إسرائيل الحرب، أما إذا رفض نتنياهو، وأقدم على مناطحة بايدن كما فعل من قبل، فقد يكون ذلك مبررا لامتناع أميركا عن التصويت على قرار في مجلس الأمن يؤيد قرار المحكمة بوقف الحرب في رفح فورا، كما فعلت إزاء القرار 2720، في 22 من كانون الأول العام الماضي.
وآخر الأخبار التي تشير إلى تدحرج حجارة دومينو حكومة التطرف الإسرائيلية، هو تجميد خطة الحرب في رفح، تجنبا لخطوط واشنطن الحمراء، وتجنبا لمزيد من التوتر مع مصر، كذلك توقف نتنياهو بالتحديد عن ترديد مصطلح النصر المطلق، وإن كان ما زال يقول بصوت خافت، تحقيق أهداف الحرب، بعودة مستوطني الغلاف، وتفكيك «حماس» عسكريا وحكوميا، وعدم تهديد غزة لإسرائيل بما يحول دون تكرار السابع من أكتوبر.
وإذا ما وافق نتنياهو فعلا على مبادرة بايدن، فإنه قد يكون حقق الهزيمة المطلقة، كما قال بن غفير وليس النصر المطلق، خاصة أن حاييم رامون وزير العدل السابق اعتبر أن إسرائيل على حافة هزيمة استراتيجية، ومثل هذا الكلام بات يتكرر في إسرائيل بكثرة، حتى أن تساحي هنغبي رئيس مجلس الأمن القومي المقرب من نتنياهو اعتبر أن إسرائيل أخفقت بعد 8 شهور من الحرب في تحقيق أي هدف استراتيجي، فيما اعتبر المحلل العسكري لصحيفة «معاريف» ألون بن ديفيد قبل أيام أن النصر لن يأتي بعد رفح، وما بين النصر المطلق والهزيمة المطلقة هناك، لا غالب ولا مغلوب، وهناك اعتراف بوجود الآخر والتعايش معه، وهذا هو طريق الخلاص لكلا لطرفين.