أسئلة كثيرة تلوح في الأفق بشأن دلالات توقيت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية ولقائه زعيمها كيم جونغ أون، وتوقيع اتفاق تعاون استراتيجي شامل بين البلدين، يتضمن مساعدة بعضهما البعض في أوقات الحروب والأزمات.
سبق للرئيس بوتين أن زار بوينغ يانغ في العام 2000، وهي زيارة كان الهدف منها ترسيخ التقارب بين البلدين في مواجهة الضغوطات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي سعت كل الوقت إلى شيطنة روسيا وكوريا الشمالية والدفع باتجاه عزلهما ومحاصرتهما دولياً.
هذه الزيارة تأتي في توقيت حسّاس ومهم للغاية، وتتقاطع مع قمة مجموعة السبع التي انعقدت في إيطاليا، منتصف الشهر الجاري، وكان محورها الحرب الروسية - الأوكرانية وتعزيز الجهود لدعم الأخيرة، وكذلك التركيز على سبل مواجهة النفوذين الروسي والصيني في العالم.
قمة مجموعة السبع خلصت إلى توسيع العقوبات المفروضة على موسكو، واستخدام فوائد أصولها المجمدة بقيمة 50 مليار دولار لمساعدة كييف اقتصادياً وعسكرياً، ما أزعج القيادة الروسية ودفعها للرد على العقوبات الغربية بتعميق كل أنواع الشراكة مع كوريا الشمالية.
في الأساس، كثيراً ما دعا بوتين إلى عالم متعدد الأقطاب تأخذ فيه الدول وعلى رأسها روسيا حقها في مشاركة الولايات المتحدة الأميركية قيادة العالم، وفي أكثر من مناسبة جرى رفع مستوى الشراكة والتعاون الاستراتيجي بين الدب الروسي والتنين الصيني لكسر النفوذ الأميركي في العالم.
الرئيس الروسي أراد ترجمة موقفه هذا بتنويع الشراكات وتوسيعها حتى تشمل كوريا الشمالية، التي ترتبط مع بلاده بعلاقات جيدة جداً، غير أن بوتين يرى في زيارته إلى بيونغ يانغ مصلحة تمكنه من الحصول على مساعدات عسكرية في حربه مع أوكرانيا.
من الطبيعي أن تحتاج موسكو بيونغ يانغ والعكس صحيح، خصوصاً أن البلدين يعانيان من حصار دولي وغربي ضدهما، وموسكو ترغب في تأمين احتياجاتها العسكرية من الصواريخ والذخائر، بينما تحتاج كوريا الشمالية إلى مساعدات غذائية وتكنولوجية مرتبطة بتطوير قدراتها النووية والصاروخية الباليستية.
حفاوة الاستقبال والترحيب الشديد بالرئيس الروسي يشيان بأن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يقدّر هذه الزيارة ويعتبرها داعمة وإسنادية لعلاقته المتوترة مع الولايات المتحدة وحليفتيها كوريا الجنوبية واليابان، ويحتاج كيم جونغ أون إلى روسيا والصين لتحقيق معادلة توازن الردع مع كوريا الجنوبية تحديداً.
أما لماذا رفضت روسيا التأكيد على حصولها مساعدات عسكرية من كوريا الشمالية، فهذا الأمر يتعلق بهيبتها وسمعتها الدولية، على أنها بخير وليست بحاجة إلى عون عسكري من أي طرف كان، وهي قادرة على خوض هذه الحرب وحدها ضد أوكرانيا ووكلائها واشنطن وعدد من عواصم الدول الغربية.
كذلك يمكن القول، إن زيارة بوتين لكوريا الشمالية تُشكّل تحدياً لواشنطن ودول أوروبا الغربية التي تواصل تقديم الدعم اللوجستي والعسكري لأوكرانيا حتى تحافظ على روحها القتالية، وربما لسان حال الرئيس الروسي أن بلاده مستعدة لمعركة طويلة ومفتوحة إلى أجل غير مسمى.
بعد زيارته إلى بيونغ يانغ، طار بوتين إلى العاصمة الفيتنامية هانوي والتقى رئيسها تو لام، وهي زيارة يستهدف منها تعزيز العلاقات في جنوب شرقي آسيا، إذ جرى توقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين، وتأمل موسكو تنويع صادراتها لكسر العزلة الدولية المفروضة عليها.
بوتين الذي سعى كل الوقت إلى إقامة حلف دولي يواجه العالم الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، يسعى في هذا التوقيت لترسيخ الحلف الذي يأمل أن يتوسع شيئاً فشيئاً، وتحاول موسكو الالتفاف على العقوبات الدولية بتوسيع شبكة نفوذها الدولي وإعادة هيكلة شكل الاصطفافات الدولية.
أيضاً تأتي أهمية هذه الزيارة إلى كل من بيونغ يانغ وهانوي، في وقت تتقاطع فيه المصالح الدولية على خلفية حروب مشتعلة في الشرق الأوسط، والحرب الجارية في أوكرانيا، ويرى بوتين أن انشغال الولايات المتحدة والدول الغربية في حرب إسرائيل على قطاع غزة واحتمالات توسيعها مع جنوب لبنان وصرف الانتباه الكبير على جبهة أوكرانيا، مصلحة كبيرة لموسكو لإعادة شحن قوتها نحو تحقيق مكاسب عسكرية على أرض المعركة.
أخيراً يمكن القول، إن غرض بوتين من إقامة تحالفات جديدة وترسيخ القديم منها مع الصين وكوريا الشمالية وفيتنام وعدد من الدول، يأتي في إطار مواجهة الحصار الغربي المفروض على موسكو، ورسالة من الأخيرة أن لديها شبكة واسعة من الأصدقاء وأنها لاعب مهم في الساحة الدولية.
وهي رسالة للدول الغربية أن روسيا وعلى الرغم من الحرب التي شنتها على أوكرانيا قبل أزيد من عامين، صامدة وقوية وقادرة على تحقيق الانتصار في هذه المعركة سواء على الصعيد العسكري أو عبر قنوات التفاوض والحل السياسي.