فاجأ خافيير سولانا، كافة الأطراف عندما دعا كبير مفوضي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي العام 2009، مجلس الأمن الدولي إلى الاعتراف بقيام دولة فلسطين في تاريخ يتم تحديده، حتى وإن لم يتم الاتفاق على ذلك بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وذلك بعد أن يحدد «الوسطاء» جدولاً زمنياً لإرغام الطرفين على إبرام اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإذا لم يتمكن الجانبان من الالتزام بالجدول الزمني، عندئذ يجب على المجتمع الدولي، أن يضع قراراً على الطاولة (!).
وكان من الواضح أن سولانا، قد طرح هذه الأفكار بعدما تلمس عدم إمكانية التوصل إلى توافقات تؤدي إلى قيام دولة فلسطين، بين الإسرائيليين والفلسطينيين على خلفية فشل كافة المساعي، بينما تقوم إسرائيل بتغيير الخارطة السياسية والسكانية للمناطق الخاضعة تحت الاحتلال، وفي الغالب، فإن سولانا تلمس، أيضاً، أفكاراً ألمانية ـ فرنسية ـ بريطانية، تتجه نحو دور أوروبي، بعدما فشلت الولايات المتحدة في وساطتها لدى الجانبين، الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وان العودة إلى مجلس الأمن، من شأنه أن يشكل ضغطاً على الجانبين للتوصل إلى إبرام اتفاق، وإلاّ... فإن على مجلس الأمن أن يقوم بدوره في هذا السباق!
لم تتردد إسرائيل برفض قاطع لأفكار سولانا، ردها ارتكز على تفسيرها لقراري 242 و338، وخارطة الطريق والاتفاقيات الموقعة بينها وبين الجانب الفلسطيني، باعتبار أن حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي (يتم فقط عبر التفاوض)، ومع أن هذين القرارين قد أشارا إلى هذا «التفاوض» إلاّ أنه في الواقع لم يغلق الأبواب أمام وسائل أخرى، إذ لم يشر «حصرياً» أو «فقط» كما جاء في الرد الإسرائيلي، الذي أشار، أيضاً، إلى أن سولانا، المعروف بعلاقته الوطيدة مع الجانب الفلسطيني، وصداقته العميقة مع ياسر عرفات، الأمر الذي يضع علامات استفهام حول نزاهته، من قبل الجانب الإسرائيلي. لم ينجح سولانا في فرض رؤيته، لكنه نجح في الواقع في إعادة القضية الفلسطينية، إلى مربعها الأساسي، الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإعلان فشل الوساطات الأميركية بما فيها خارطة الطريق، والأهم من ذلك كله، أن أفكار سولانا تلك أشارت بوضوح الى أن المجتمع الدولي لا يمكن أن يظل صامتاً إزاء الإجراءات الاحتلالية، من ضم وقضم للأراضي الفلسطينية، بذريعة المفاوضات المباشرة، المجتمع الدولي، لن يسمح لنفسه أن يظل صامتاً إزاء المتغيرات ذات الطبيعة الاستيطانية ـ الحدودية التي تجريها إسرائيل بشكل معلن وواسع ومتواتر، المجتمع الدولي إذا لم يتدخل الآن، فإن هذه المتغيرات ستضيف عقبات إضافية جديدة أمام إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية نهائية.
كما أن هذه الأفكار، أدت في الداخل الإسرائيلي إلى تشنجات سياسية، عندما أعلنت تسيبي ليفني رئيسة المعارضة، رئيسة حزب «كاديما» في ذلك الوقت، أن سياسة نتنياهو هي التي أدت إلى أن يقوم المجتمع الدولي بفرض حلول للصراع، وبالتالي فإن نتنياهو هو الذي يتحمل مسؤولية دعوة سولانا لفرض حل من قبل مجلس الأمن! بعد خمس سنوات، من أفكار سولانا، تقدمت فرنسا بمبادرتها حول عقد مؤتمر دولي في العاصمة الفرنسية باريس، حول إيجاد تسوية سياسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لكن هذه المبادرة لم تجد الصدى المطلوب، وبعد عام، جددت باريس طرحها لمبادرتها، العام الماضي، لكن واشنطن أشارت إلى أن الانشغال الدولي بالملف النووي الإيراني، لا يفسح المجال أمام الانشغال بقضايا معقدة أخرى، مع بداية العام الجاري، أعادت فرنسا طرح مبادرتها من جديد، وكما هو متوقع رفضتها إسرائيل بشكل شامل، لكن هذا الرفض يعود إلى فكرتين أساسيتين، إذ إن المبادرة الفرنسية، لم تشترط اعترافاً فلسطينياً بيهودية الدولة العبرية، أما الفكرة الثانية المرفوضة، فتعود إلى الموقف الإسرائيلي الدائم: «لا تواريخ مقدسة»، ذلك أن المبادرة، تمهل الجانبين، عامين للتوصل إلى اتفاق، وإلاّ فإنها ستقوم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967.
تعتقد إسرائيل، أن المبادرة الفرنسية، ما هي إلاّ جهد شخصي لوزير الخارجية الفرنسية، فابيوس، شكل من أشكال النشاط الشخصي ولكي يدخل التاريخ من بوابة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، عديدة هي مقالات الرأي في الصحافة الإسرائيلية التي أشارت إلى البعد الشخصي للمبادرة الفرنسية، غير أن مغادرة فابيوس وزارة الخارجية الفرنسية، واستمرار الرئاسة الفرنسية، بطرح المبادرة، مع دعوة إلى تفعيل جهودها نحو لقاء مرتقب بين نتنياهو وعباس في تموز المقبل، ودعوة باريس لوزير الخارجية الأميركية جون كيري لكي يقوم بدور بتقريب وجهات النظر بين الطرفين، حيث من المقرر أن يتم اجتماع بين الرئيس عباس وجون كيري (على الفور) لهذا الغرض، كل ذلك يشير إلى أن أفكار سولانا، مع بعض التعديل أخذت تشق طريقها نحو حراك دولي من شأنه أن يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها كأخطر وأعقد وعدم عدالة على أجندة العالم... إلاّ أن حكومة عنصرية ـ فاشية، يقودها نتنياهو في إسرائيل، من شأنها أن تعرقل مثل هذه الجهود... لكن إلى متى؟!