من الدولة الأعظَم إلى دولة عُظمى

تنزيل (9).jpeg
حجم الخط

بقلم : طلال عوكل

 

لعلّ المواطن الأميركي قد أدرك، بعد المناظرة المتلفزة بين رئيس قائم ورئيس قادم، أنّه يعيش في نهايات عصر المجد الأميركي المهيمن على المنظومة الدولية.
إذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فقد كشفت المناظرة، أنّ المكتوب، يشرح طبيعة الأزمة التي يعاني منها المجتمع الأميركي وتعاني منها مكانة الولايات المتحدة، والمستقبل الذي ينتظر الدولة الأقوى في العالم.
رجلان" قطعا شوطاً زمنياً، طويلاً، نحو التقاعد الاجتماعي والسياسي، أحدهما يعترف بقصور قدرته على المشي والحديث كما في السابق، والآخر، يتعرّض لـ 34 تهمة جنائية مفتوحة على المزيد من التهم.
المناظرة أحدثت صدمة مُحرجة، وبعض "الديمقراطيين" اعتبروها كارثية لدى الجمهور الأميركي، وبالأخص لدى حزب الرئيس جو بايدن، حتى أنّ وسائل الإعلام تكاد تُجمع على انتصار مبكّر للرئيس دونالد ترامب الذي يصفه بعضها بالمجنون.
والسؤال: هل نضب مخزون المجتمع الأميركي، حتى يكون السباق الرئاسي محكوماً لمرشحين من كبار السن، ومن دون أن يظهر أيّ مرشّح آخر من سنّ الشباب؟ ألا يعكس هذا الأمر، شيخوخة الولايات المتحدة وبداية تراجع مكانتها ودورها على المستويين الداخلي والخارجي؟
في عهد بايدن شهدت الولايات المتحدة، هزيمة وانسحاباً مذلاً من أفغانستان، وشهدت تخبّطاً في سياساتها الخارجية بما ينطوي على المزيد من الهزائم المذلّة.
كم مرّة تعرّض بايدن الرئيس لإهانات من قبل بنيامين نتنياهو وزملائه في "مجلس الحرب"، وكان في كلّ مرّة، يُظهر عجزاً عن تنفيذ رؤيته إزاء مجريات وطريقة إدارة الحرب في قطاع غزّة.
يدرك بايدن تماماً، وإن لم يكن هو يدرك فمن حوله من المستشارين يدركون أنّ نتنياهو، الذي يرفض ويتحدّى علناً وسرّاً، طلبات ونصائح الإدارة الأميركية، ينتظر سقوط بايدن، وفوز توأمه في التطرُّف ترامب.
وفي كلّ مرّة، كان بايدن يُغدق المكافآت على الدولة العبرية، ويفتح ترسانة بلاده، وخزائنها، أمام ما تحتاجه ولا تحتاجه.
فاشلة كلّ محاولات بايدن لاسترضاء الحكومة الإسرائيلية الفاشية المتطرّفة بأمل الحصول على دعم اللوبي اليهودي الأميركي، وأصوات اليهود في الولايات المتحدة، الذين تعوّد الحزب الديمقراطي على أن يحصل على 70% منها.
فشلت أميركا وحلفاؤها "الغربيون" الذين شاركوا دولة الاحتلال حربها في غزة، حين لم تحقق أي هدف من أهداف الحرب الدموية، وليس كل أهدافها إسرائيلية حصراً.
فشلت أميركا في تصفية القضية الفلسطينية، وما ترتّب على ذلك من فشل في استعادة هيمنتها على الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب خارطته، وإقامة "تحالفات سنيّة" تقودها، وفي قلبها الدولة الصهيونية التي كانت ستحظى بفرض "تطبيع" علاقاتها مع دول عربية وإسلامية.
لنقل إن الولايات المتحدة، تتجرّع طعم الهزيمة في الشرق الأوسط من بوّابة غزّة، حتى الآن، فهي التي قادت ولا تزال تقود حرب الإبادة الجماعية والتجويع، ولا تستطيع فعل أيّ شيء بسبب الحكومة المتطرّفة التي تقف على رأس دولة الاحتلال، وبسبب صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.
وفشلت إدارة بايدن، في إلحاق الهزيمة بروسيا في الحرب على أوكرانيا، بالرغم من الانخراط غير المباشر والمباشر في الحرب.
فلقد استولى الجيش الروسي على أكثر من 20% من أراضي أوكرانيا.
وظّف بايدن، كل قدرات الولايات المتحدة التسليحية والمالية، والاقتصادية والسياسية، وقدرات حلفائه في "حلف الناتو" وكان يظنّ أنّ روسيا ستنهار تحت ضغط العقوبات الاقتصادية، والمالية، بسبب ضعف اقتصادها الذي لا يتجاوز حجم إنتاجها القومي تريليون وسبعمائة مليار دولار.
سيترك بايدن للقادم، مشروع معركة إستراتيجية خاسرة سلفاً، حيث هيأ كل شيء، في جنوب شرقي آسيا، حيث تتحضّر الصين لاستعادة هونغ كونغ، بالقوة إن لم تنفع الدبلوماسية.
وتخسر الولايات المتحدة وحلفاؤها، معركة السيطرة على دول غرب إفريقيا، ما يؤشّر على انحسار الوجود والدور الأميركي في القارة السوداء.
لا يستطيع بايدن وفريقه، تسجيل انتصار واحد خلال السنوات الأربع التي وجد فيها في البيت الأبيض، بل إن التراجع هو السمة الأبرز في سجّل حياته السياسية.
بعد خطاب عنجهي، ووعود بانتصار أمام بعض من جمهوره الانتخابي يعود بايدن ليعبّر عن الشعور بالإهانة بسبب أدائه الضعيف جدّاً أمام ترامب، فيقرر أنه سيناقش مع أفراد عائلته إذا ما كان عليه أن يتقاعد. 
بعض الديمقراطيين بدؤوا يفكّرون بسحب ترشيح بايدن من الرئاسة، ويتحدثّون عن نائبته كامالا هاريس.
ومرّة أخرى يُظهر هذا التوجّه عجز الحزب الديمقراطي عن تقديم مرشّح شاب قوي، لأنّ ذلك في الأساس لا يعكس ما هو عليه حال المجتمع الأميركي.
خلال الأسابيع الأولى للحرب المجرمة على قطاع غزّة والتداعيات الكونية الهائلة التي أحدثتها الحرب، كنت قد كتبت مقالاً في "الأيام"، يتحدّث عن أنّ الشعب الفلسطيني سيُسقط بايدن، وسوناك وماكرون ونتنياهو، هؤلاء الذين قادوا الحرب الإجرامية على الشعب الفلسطيني والأيّام القادمة ستُظهر ذلك.
عاجز يذهب، بسجّل طويل من الفشل، في الحفاظ على مكانة وهيبة الدولة الأعظم، ومجنون يخلفه، ولكن النتيجة واحدة بالنسبة للشعب الفلسطيني.
بايدن ليس أفضل من ترامب صاحب مخطّط ورؤية "صفقة القرن"، فكلاهما ليس أكثر من موظّف يعكس حالة الاتحاد، ومكانة ودور البلاد، إذا كانت هذه هي عناوين الدولة الأعظم، فالمستقبل يُخبرنا عن تغييرات هائلة وجذرية في النظام العالمي، تتراجع خلالها الدولة الأعظم إلى دولة عُظمى هناك من هي أعظم منها، والعاقبة عند من يفهم هذا المسار.