لا مهرَب من توسّع الحرب

تنزيل (9).jpeg
حجم الخط

بقلم : طلال عوكل

 

بينما تتزايد التحذيرات والتقييمات من قبل جنرالات عسكريّين وأمنيّين إسرائيليّين سابقين، مفادها أن الأمل بالقضاء على حركة «حماس» في قطاع غزة، وتحقيق الانتصار المطلق الذي يسعى إليه بنيامين نتنياهو، أقرب إلى المستحيل، يواصل نتنياهو إصراره على تحقيق أهدافه.
يخشى الكثير من الجنرالات من أنّ الجيش يتعرّض لعملية استنزاف مرهقة، وأنّه غير قادر أو مؤهّل لإدارة حرب في جنوب لبنان يجري التحضير لها من قبل جيش وحكومة الاحتلال.
تزداد المؤشّرات على أنّ الجيش يعاني فجوات وظواهر ونواقص كثيرة، سواء بسبب حاجته لتجنيد 7000 جندي احتياط ومثلهم من الضباط، أو بسبب تردّي الحالة النفسية للجنود وفقدهم الثقة في قياداتهم، مع عدد كبير من القتلى والجرحى والمعوّقين والمصابين بصدماتٍ نفسية.
تعويض هذا النقص، ينتظره تحدّيات من قبل «الحريديم» الذين صعّدوا احتجاجاتهم ورفضهم للتجنيد، الأمر الذي يلقي بعلامة استفهام حول ما إذا كان بمقدور الجيش تجنيد 3000 بحسب قرار «العليا» الإسرائيلية.
تجنيد «الحريديم»، وحجب المخصصات عن طلبة المدارس الدينية، يتسببان في صدعٍ إضافي، لما تعاني منه الحكومة والمجتمع الإسرائيلي، وقد يكون سبباً في تصدّع «الائتلاف الحكومي» وانفراط عقده.
نتنياهو غير قادر على مصارحة جمهوره بشأن ما يعانيه الجيش في قطاع غزة، ويتحدث عن إنجازات إستراتيجية، يكذّبها الميدان.
يقترب الجيش من الإعلان عن إنهاء المهمّة في منطقة رفح، بالادّعاء أنّه نجح في تفكيك وإضعاف قدرات المقاومة الفلسطينية، وتدمير نحو 20 نفقاً، والاستعداد للانتقال إلى «المرحلة الثالثة» من الحرب.
تحرّكات جيش الاحتلال على الأرض تنفي ادّعاءات نتنياهو، الذي سبق له أن أعلن غير مرّة انتهاء المهمّة في شمال القطاع، وخان يونس، والمنطقة الوسطى، وحيَّي الشجاعية والزيتون.
ثلاث مرات عاد الجيش للعمل بكثافة في كل المناطق التي يزعم الجيش أنه أنهى بنجاح مهمّاته فيها، وفي كل مرّة يعود إلى واحدة أو أكثر من هذه المناطق يواجه مقاومة قوية، كأنّها لا تزال بعنفوانها أوّل مرة.
سيتكرّر الأمر في رفح، في حال توقفت ما تسمّى المناورة البرّية، ومع وجود قوات في «محور فيلادلفيا»، وفي شرق مدينة رفح، فإنّ المقاومة ستجد ما تفعله هناك، وتوقع المزيد من الخسائر في صفوف الجيش وآلياته.
تماماً مثلما هو الحال في «محور نتساريم»، الذي يجري توسيعه من 2 كم إلى 4 كم، ما يستدعي وجود قوات وآليات أكثر من المرابطة قبل عملية التوسيع، وتشكّل هدفاً للمقاومة.
ما يتعرّض له جيش الغزو في حيَّي الشجاعية والزيتون، وما تعرّض له في محاور الشمال (جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا)، ربما كان سبباً في امتناع المستوى العسكري عن اتخاذ قرار بالعودة إلى خان يونس التي أطلقت منها المقاومة خلال الأسبوع الجاري 20 صاروخاً باتجاه «غلاف غزّة».
الانتقال لـ»المرحلة الثالثة»، يعني تقليص الوجود والانتشار العسكري الذي يوفّر للمقاومة أهدافاً واسعة، وبهدف تقليل الخسائر، والعودة لاستخدام سلاح الجو، والتوغّلات المحدودة كلما ظهر أمام الجيش هدف، وطالما أنّ الأهداف لا تتعلق بمقاومين، وإنّما تستهدف المدنيين والبيوت والمنشآت، فإنّ الطيران، والمدفعية الإسرائيلية، سيواصلان الحرب ولكن بتكتيكات مختلفة أقلّ تكلفة على الجيش، ومن دون تخفيف التكلفة على الفلسطينيين.
المؤشّرات الميدانية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية لا تتجه نحو الاعتقاد بإمكانية الموافقة على صفقة تبادل تلبّي اشتراطات المقاومة، التي لا تزال تتمسّك بمواقفها.
الحرب مفتوحة، على كل الجبهات العاملة حتى الآن، ولا يجد نتنياهو ما يتطلّب التبرير لا أمام جمهوره، ولا أمام المجتمع الدولي.
يتحدّث رئيس حكومة الاحتلال وفريقه عن حرب وجودية، الحد الأدنى للانتصار فيها القضاء على المقاومة في القطاع، وإخراج «حماس» وسلاحها من المشهد السياسي والميداني، وإبعاد «حزب الله» اللبناني عن الحدود الجنوبية للبنان ما بين 5 كم إلى 8 كم، غير أنّ ما يضمره نتنياهو هو تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين من القطاع والضفة، والقضاء على تهديد «حزب الله»، وضرب المشروع النووي الإيراني.
لتوسيع هذه الدائرة، ينتظر نتنياهو فوز دونالد ترامب في السباق الرئاسي، حتى يضمن انخراط الولايات المتحدة في مثل هذه الحرب العدوانية، معلوم أنّ ترامب هو الذي انسحب من الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمس الكبرى، وهو الذي أعلن ضمّ القدس كعاصمة للدولة العبرية وهو صاحب «صفقة القرن».
إذا كانت هذه هي حقيقة الأهداف التي يسعى نتنياهو لتحقيقها، فلم يعد أمامه سوى خيار واحد، هو كسر قواعد الاشتباك مع «حزب الله»، والدخول في حرب مفتوحة، خاصة بعد أن استنزف قدرته على توسيع الحرب من خلال قطاع غزة.
كما أنّه لا يوفر جهداً إزاء مواصلة العدوان في الضفة الغربية عَبر الاستيطان، والتضييق على السلطة بهدف إضعافها وإزالتها عن الطريق، والاستمرار في جرائم القتل والاقتحامات التدميرية لمدن وقرى ومخيمات الضفة، واستخدام وسائل قتالية مشابهة لما يتمّ استخدامه في القطاع.
المشكلة أنّ وضوح هذه الأهداف لدى الكلّ، فلسطينيين وعرباً، ومسلمين وأجانب، لم يغيّر من سلوك هؤلاء، ولم يغيّر منطق المراهنات الخاسرة، سواء على عملية سلام، أو على دور مختلف للولايات المتحدة.
الكلّ يواصل الوقوف عند تصريحات الإدانة أو التحذير، والبعض لا يزال يطالب نتنياهو بأن يفعل كذا ويتجنّب كذا.
تسعة أشهر دامية انقضت حتى الآن، دفع خلالها الشعب الفلسطيني أثماناً باهظة، ولكن إسرائيل هي الأخرى دفعت أثماناً باهظة، وتبيّن خلالها أنّ نتنياهو وحكومته يَعرضان إسرائيل على أنّها دولة خارجة عن القانون والنظام الدولي، وعن قيم العدالة وأبسط معايير الدولة المحترمة.
إسرائيل دولة فاشلة لا تهتمّ بأن تقدم نفسها كدولة عنصرية، ترتكب مجازر إبادة جماعية وتنتهك كلّ المحرّمات، ما يدفعها نحو أن تصبح دولة منبوذة.