الحرب في شهرها العاشر.. لوغاريتمات وألغاز اليوم التالي!

11_1450003853_6273.jpg
حجم الخط

بقلم د أحمد يوسف

لم يكن أحدٌ يتوقع أن تطول هذه الحرب العدوانية على قطاع غزة كلّ هذه الشهور العشرة، فيما الوضع العسكري لا يزال على حاله من القتل والتدمير الممنهج وسياسة الحصار والتجويع.


من استمع لخطابات نتنياهو الأخيرة، لا يُصدِّق ما يقولون عن قرب لحلحة الأمور بالمفاوضات.


فالرجل الإرهابي الذي يقود إسرائيل مع مجموعة من مجرمي الحرب ومسعِّريها من حوله كأمثال بن غفير وسموترتش، اللذين يرفضان المفاوضات أو التعاطي معها باعتبارها وسيلةً لإطالة أمد الحرب، وإطلاق يد جيش الاحتلال للبطش والتنكيل بالفلسطينيين، وإهلاك الحرث والنسل وكلِّ مقومات الحياة في قطاع غزة.


في ظل هذه الألاعيب السياسية التي تمارسها إسرائيل، يتم الحديث كثيراً عن شكل (اليوم التالي)، الذي سيعقب وقف حرب الإبادة عن القطاع، وإعادة ترتيبات البيت الفلسطيني أمنياً وسياسياً وإدارياً.


سيناريوهات كثيرة متقاربة ومتباعدة يجري الحديث عنها على ألسنة الساسة والمحللين السياسيين والعسكريين من إسرائيل، وغيرهم من المتابعين للشأن الفلسطيني.

سيناريوهات اليوم التالي

في سياق هذه اللوغاريتمات السياسية المليئة بالعقد والألغاز، فإنَّ بالإمكان رصد عشرة سيناريوهات أو أكثر يمكن أن يذهب إليها عقل المحلل السياسي، من حيث ما لها وما عليها.


على المستوى الشخصي، هناك فرصٌ لسيناريو يمكن القبول به فلسطينياً، ولكن نظراً لنتنياهو وعقليته اليمينية المتطرفة كمجرم حرب، فإنه لا يُفكِّر إلا بـ "النصر المطلق"، عبر القضاء بشكل كامل على حركة حماس، وتحرير الرهائن بالعمل العسكري.


إنَّ هذا الرهان على (اليوم التالي) المتوازن، الذي يُعجِّل بعودة قطاع غزة للفلسطينيين لإدارته وإعادة إعماره، واستكمال نضالاتهم السلمية (اللاعنفية) عبر منظمة التحرير الفلسطينية، خاصةً بعد أن تعرَّت إسرائيل وتكشفت مخططاتها في العمل لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى خارج أرضهم التاريخية لصالح المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني.


إنَّ هناك في مشهدية الحرب على قطاع غزة عشرة سيناريوهات يمكن التفكير فيها كأرضية لذلك اليوم التالي، وإن كان حجم الغموض الذي يكتنف كلَّ سيناريو لا يسمح للذهاب بعيداً في ترجيح أيٍّ منهما على الآخر؛ لأنَّ نتنياهو – حتى الآن- هو الذي ما زال بيده زمام المبادرة، وهو من يُقرر مآلات هذا المستقبل والمصير.


هنا، سأعرض لهذه السيناريوهات كـ"لوغاريتمات"، وللآخرين الحق في إعمال العقل والتفكير فيها، وسأحاول -من جهتي- التوسع في تحليل ما أراه الفرضية الأقوى لسبر أغوار التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي بخلفياته الدينية التوراتية أو ما تمثله الصهيونية العلمانية من نظرة استعمارية للاستيلاء على أرض فلسطين التاريخية، عملاً بتجارب استعمارية سابقة في القارتين الأمريكية والأسترالية.

هناك أيضاً مساحة أخرى للمناورة والتحرك بما يمكن لحركة حماس التفكير به، وإن كانت إمكانياتها في هذه المرحلة لا تعطيها الكثير، لفرض شروطها وترسيم ملامح (اليوم التالي) الذي يحفظ لها استمرارية حضورها في مشهدية الحكم والسياسة.


لن نمرَّ على كلِّ هذه السيناريوهات جميعها بالقراءة والتحليل، ولكن سنتناول بعضّاً منها لاعتبارات الواقعية السياسية والخلل القائم في موازين القوى، والذي يعطي الإسرائيليين أفضلية الفيتو، بسبب الاحتلال وفارق القوة والتواطؤ الدولي.

10 سيناريوهات محتملة

وعليه، فإن هذه السيناريوهات المفتوحة على العقل للتفكير فيها تتبدى على الشكل التالي:


1- وضعية احتلالية مشابه في آليات عملها لما حدث بعد هزيمة 67.


2- بقاءُ دورٍ لحركة حماس كحارس، بعد قصقصة أجنحتها وكسر شوكتها العسكرية.


3- دورٌ لمصرَ في إدارة قطاع غزة، كما كان عليه الحال قبل 67.


4- عودة دحلان بما يمثله من فصيل فلسطيني له علاقات عربية واسعة مع مصر ودول الخليج، كما أنَّ تاريخه السياسي كمفاوض، ونجاحه في نسج علاقات وطنية مع معظم "الكلّ الفلسطيني"، بما في ذلك حركة حماس؛ الخصم العنيد والتاريخي له.


5- إدارة عسكرية إسرائيلية مع تنمية ما يسمى بروابط القرى.


6- التهجير القسري عبر البحر إذا استمرت المقاومة المسلحة في إثبات حضورها الميداني، وهو خيارٌ هيأت له إسرائيل بحشر أكثر من مليون ونصف المليون على طول الساحل من النصيرات إلى رفح في معاناة بالغة الصعوبة، وانتظار من يشقَّ لهم البحر لركوب موجاته باتجاه الضفة الأخرى من الشواطئ الأوروبية، وحتى فرص الوصول إلى كندا وأستراليا بما في ذلك السواحل الأمريكية


7- التهجير الطوعي وبإغراءات مشجعة وبسقف زمني مفتوح، عبر البر والبحر باتجاه دول العالم الآخر. وللأسف، فإن هذا الخيار شديد الاحتمال؛ لأنَّ جيل الشباب قد فقد مستقبله في قطاع غزة، ويتطلع إلى مستقبل آخر يستكشف فيه فضاءات العيش الكريم في رحاب الدول الغربية


8- توسيع الحرب إقليمياً وربما دولياً (جبهة لبنان وجبهات أخرى). أعتقد أنَّ هذا الخيار مرتبط باستمرار الحرب والتصعيد الإسرائيلي، فيما تبدو المؤشرات الميدانية والسياسية القائمة أنَّ الحرب توشك أن تضع أوزارها.


9- تواجد قوات دولية مع إدارة محلية تكنوقراط. هذا الخيار، ربما ترفضه الفصائل بما في ذلك حركة حماس، وإن كان المزاج الشعبي بعد كارثة النكبة الثانية قد يتقبل ذلك، ولن يُبدي تمنعاً إذا لم يواجه باعتراض رسمي من قبل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير


10- عودة السلطة لما قبل انتخابات 2006. هذا الاحتمال يواجه باعتراض نتنياهو واليمين المتطرف في إسرائيل، وإذا استقام حال الفلسطينيين كفصائل وأحزاب في سياق توافقية ديموقراطية تحت مظلة منظمة التحرير، فإن إمكانية تحقيقه بدعم عربي تصبح مسألة وقت.


اليوم، من واقع التصريحات الكثيرة التي تمَّ إطلاقها من كافة الأطراف، فإنَّ ما تريده إسرائيل هو أولاً وقبل كلّ شيء نزع سلاح المقاومة وكسر شوكة حماس، وإيجاد سلطة فلسطينية تدير شؤون الفلسطينيين بدون أحلام وطنية، وقابلة للعيش كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة أو على شكل حالة وصفها الرئيس محمود عباس أبلغ توصيف بمشهدية العيش تحت "بُسطار الاحتلال".


بالطبع، ومن الناصية الأخرى لمجريات الأحداث، تأمل حركة حماس بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، والعودة بفرص نفوذ تُمكّنها من التواجد والحضور السياسي، ضمن تركيبة تديرها منظمة التحرير، وفي سياقٍ من التوافق الوطني أو الديمقراطية التوافقية


ختاماً.. إنَّ إشكالية (اليوم التالي) وصعوبة التنبؤ به هو لوغاريتمات بالغة التعقيد، يتحكم بأسرارها نتنياهو وتحالف اليمين الديني المتطرف معه، مع غياب لأيِّ دور لمنظمة التحرير الفلسطينية ما يمنح إسرائيل اليد العليا في تقرير طبيعة هذا اليوم بعد نجاحها في شيطنة حماس، وحشرها في الزاوية في ظل معطيات داخلية وإقليمية ودولية أقرب في مواقفها "للتواطؤ" من وضعية المتعاطف والنصير.

هناك في مشهدية الحرب على قطاع غزة عشرة سيناريوهات يمكن التفكير فيها كأرضية لذلك اليوم التالي، وإن كان حجم الغموض الذي يكتنف كلَّ سيناريو لا يسمح للذهاب بعيداً في ترجيح أيٍّ منهما على الآخر؛ لأنَّ نتنياهو – حتى الآن- هو الذي ما زال بيده زمام المبادرة، وهو من يُقرر مآلات هذا المستقبل والمصير