لا أعتقد أن تصريحات نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأخ إسماعيل هنية، بشأن استبعاد احتمال عدوان إسرائيلي على قطاع غزة قريباً، يمكن أن تطمئن المواطن الفلسطيني الذي قد يفتقر إلى القدرة على تحليل المعطيات والمؤشرات، لكن وعيه العفوي يقفز إلى استنتاجات مخالفة، تستند إلى التجربة الطويلة مع احتلال خبروه.
الجملة التي تجري على ألسنة الناس في قطاع غزة، هي أن إسرائيل اعتادت على معاودة العدوان كل سنتين أو ثلاث، والبعض لا يتردد في القول إن مثل هذا العدوان قد يكون وشيكاً وربما يقع في آذار، أو بحدٍ أقصى في النصف الأول من هذا العام.
المواطن الفلسطيني المطحون لا يرغب في مواجهة اعتداءات أخرى لا كتلك المدمرة التي وقعت خلال الأعوام الثمانية الماضية ولا في اعتداءات أقل تدميراً ووحشية، لكن لسان حاله يعبر عن رغبة في أن لا تقدم المقاومة أية ذريعة للاحتلال، وان ثمة ما يوجب على القيادات السياسية أن تفعله لتعزيز صموده، والتخفيف من معانياته.
الدكتور سفيان أبو زايدة وهو خبير في الشأن الإسرائيلي كتب مقالاً، استند فيه إلى معطيات إسرائيلية تشير إلى تراجع أصوات طبول الحرب، ليستنتج، استبعاد أن تشن إسرائيل عدواناً على قطاع غزة خلال فترة قريبة.
لكي يضفي الأخ أبو العبد هنية المزيد من المصداقية ويدخل المزيد من الطمأنينة في النفوس المضطربة، أشار إلى أن تركيا قطعت شوطاً مع الإسرائيليين في موضوع السماح بإنشاء ميناء يستدل عليه بوجود ملامح رصيف في منطقة الواحة، قبالة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
بالتأكيد سيكون الأخ هنية قد استند إلى معلومات موثوقة، من طرف تركيا، والسفير القطري محمد العبادي، الذي يشكل قناة اتصال نشطة مع الجانب الإسرائيلي.
السؤال الأهم عند الحديث عن سيناريوهات العدوان، أو التهدئة، هو من الطرف صاحب القرار، هل هو تركيا، أو قطر، أو الفلسطينيون أم إسرائيل؟ والسؤال الآخر هو هل هناك من يضمن أي وعود أو تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي؟ بالنسبة لإسرائيل، فإن مبررات شن اعتداءات متكررة متوفر واقعياً على الأرض، فيما تمتلك وتفعله المقاومة التي لم تعد حبراً على ورق أو برنامجاً ملهماً، أما اتخاذ القرار فله علاقة بتحقيق أهداف قد لا تكون في الغالب عسكرية فهل ثمة ما يدعو إسرائيل للتفكير في شن عدوان جديد؟ في الواقع تواجه إسرائيل وضعاً يزداد صعوبة بالعلاقة مع عاملين أساسيين: الأول، هو استمرار الانتفاضة التي تشرف على إقفال شهرها الخامس، دون أن تتفتق "العبقرية" الإسرائيلية العنصرية عن حل للتعامل معها، خصوصاً وأنها قد تفتح آفاقاً تبدو مغلقة بشأن مصالحة فلسطينية يتواصل البحث في ممكنات تحقيقها في العاصمة القطرية.
وإذ لا نرى ضرورة للخوض في تداعيات استمرار الانتفاضة وآثار ذلك على الداخل الإسرائيلي فإن العامل الثاني هو العزلة المتزايدة التي تواجهها السياسة الإسرائيلية دولياً، وخصوصاً على مستوى الاتحاد الأوروبي.
حلفاء إسرائيل غير راضين عن سياستها، التي كان آخر فصولها رفض المبادرة الفرنسية، التي رحب بها الطرف الفلسطيني وهي مبادرة على ما قيل ونشر، تتحدث عن ثلاث مراحل تنتهي بعقد مؤتمر دولي في منتصف هذا العام.
الرفض الإسرائيلي وإن كان يدل على رفض جذري لأي حل يقوم على أساس رؤية الدولتين مهما كان حامل أو مصدر هذا الحل، هذا الرفض يجد له سنداً في الموقف الغامض للولايات المتحدة التي لا ترى أية ضرورة لتغيير الواقع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
غير أن المبادرة الفرنسية حذرت من أن فشل هذا المسعى سيدفع فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما قد يشكل بداية تفتح الباب واسعاً أمام اعتراف عدد آخر من دول الاتحاد الأوروبي.
والسؤال هل يشكل ذلك حافزاً لإسرائيل لكي تبادر لشن عدوان على قطاع غزة، من باب خلط الأوراق وتحويل الأنظار عن الانتفاضة وعن المبادرة الفرنسية؟ في مقام آخر، يجب التدقيق جيداً في طبيعة الضمانات التي تقدمها تركيا أو قطر، وحتى فيما إذا كانت تركيا ستحظى بترميم واستعادة علاقاتها مع إسرائيل على النحو الذي يمنحها دوراً فاعلاً في قطاع غزة.
تركيا تواجه أزمة شديدة التعقيد فيما يتعلق بسياستها تجاه سورية، ويسود علاقاتها مع روسيا توتر شديد الخطورة، ما يتسبب في إرباك علاقاتها مع حلف الناتو الذي هي عضو فيه ومع حليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأميركية. الطرفان الناتو، والولايات المتحدة أعلنا أنهما لن يتورطا في حرب مع روسيا تبادر إليها تركيا، التي لا يتردد المسؤولون الرسميون فيها عن التعبير عن المرارة والخذلان حتى أعلن أحدهم أن تركيا قد تقفل قاعدة انجرليك في وجه طيران الولايات المتحدة.
أما روسيا فقد دخلت على الخط بقوة حين أعربت لإسرائيل عن عدم رضاها من إمكانية تزويد إسرائيل لتركيا بحاجتها من الغاز فضلاً عن عدم رضاها عن منح تركيا دوراً فاعلاً في قطاع غزة ما يعني أن الارتكان إلى الضمانة التركية ليس موثوقاً أو كافياً لأن القرار مرة أخرى بيد إسرائيل. في سابق الأيام كنت قد أشرت إلى أن لإسرائيل مصلحة في تحسين الوضع في القطاع، لتحقيق هدف فصله ولكن هذا يتطلب حرباً جديدة بعد أن فشلت الحرب السابقة في تحقيق ذلك.