إسرائيل تغتال الصوت والصورة...

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

بقلم : هاني عوكل

 

كثيراً ما ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي اغتيالات محسوبة ومدروسة وفلتت من العقاب الدولي، كما حدث الأربعاء الماضي مع استهداف الشهيد الصحافي إسماعيل الغول مراسل قناة الجزيرة الإخبارية، ومعه المصور رامي الريفي.
مئات الصحافيين استشهدوا واستهدفوا في ساحات كثيرة نقلوا خلالها الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني بالصوت والصورة، ولم يتحرك العالم إلا تنديداً واستنكاراً ودعوات استهلاكية ومفلسة لمحاسبة الاحتلال على فظائعه.
منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي حتى هذه اللحظة، استشهد حوالى 165 صحافياً، حسب إفادة المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحركة «حماس» في قطاع غزة، ومن غير المرجح أن تتوقف إسرائيل عن ممارسة القوة المفرطة لتخويف وإسكات الصحافيين ومنعهم من نقل حقائق ما يجري في مختلف أنحاء القطاع.
إسماعيل الغول ومعه رفيقه المصور رامي الريفي كانا شاهدَين على بشاعة القصف والتدمير الإسرائيلي في غزة، وواظبا على أداء هذه المهنة رغم المخاطر التي تحيط بها، ولولاهما وخلفهما طاقم من الصحافيين المتنوعين، لما وصلت الأخبار البشعة والمجازر التي ترتكب كل يوم بحق الفلسطينيين في غزة.
لقد حاسبت إسرائيل كلاً من الغول والريفي على هذا الدور البطولي والعظيم الذي فعلاه لمنع طمس أو تزييف الحقيقة، وهي - إسرائيل - تدرك أنها ستنجو بفعلتها ولن تتعرض للمساءلة القانونية والأخلاقية، اللهم الطلب منها الحذر والكف عن استهداف الصحافيين والمدنيين العزل!!
تعالوا نتذكر ونستحضر قصة الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة التي اغتيلت برصاصة خلال تغطيتها أحد العدوانات الإسرائيلية على مدينة جنين في الحادي عشر من أيار 2022، وآنذاك تعددت الروايات الإسرائيلية بشأن ظروف ملابسات استهدافها وفي النهاية رفض الاحتلال فتح تحقيق جنائي بشأن استشهادها.
الجندي الإسرائيلي الذي قنص أبو عاقلة كان يعلم أنها صحافية ومتواجدة لتغطية الأخبار، وفي الأصل كانت ترتدي زي الصحافة الذي يفترض أنه يشكل نوعاً من أنواع الحماية لصاحبه، ومع ذلك تعمدت إسرائيل استهدافها من أجل إسكات صوتها الذي هو صوت الحقيقة.
لا تختلف مأساة أبو عاقلة عن الكثير من المآسي التي استهدف فيها الصحافيون في غزة، إذ تدرك إسرائيل معنى قوة الصحافة والإعلام وتأثيرهما على مزاج الرأي العام العربي والعالمي، ولذلك ظلت كل الوقت توظف القوة والترهيب لمنع المؤسسات الصحافية من ممارسة مهامها في غزة.
مع الأسف لن يكون الغول والريفي الأخيرَين في قائمة الاستهدافات الإسرائيلية، إذ إن الاحتلال سيواصل هذه السياسة الممنهجة لمنع وصول الحقيقة خارج فضاء غزة، هذا إلى جانب أنه يسعى كل الوقت للتشويش على القنوات الفلسطينية والعربية والأجنبية ويُزوّر في الحقائق ويقدم معلومات مغلوطة عن عدوانه الهمجي.
في حقيقة الأمر من الواجب القول: إن الصحافيين العاملين في قطاع غزة لا ظهر لهم، ولا يتوفر هناك أي نوع من الحماية أو حتى الحد الأدنى من الحصانة التي تضمن سلامتهم، فهم في الميدان حالهم حال المدنيين الذين يستهدفون في كل مكان، حتى لو تزينوا بكل عبارات وإشارات الصحافة تجد الاستهداف يلاحقهم ويتربصهم أينما ذهبوا.
واهم من يعتقد أن إسرائيل تميز بين الصحافي والمدني، بالعكس يهمها كثيراً أن تسكت صوت الصحافي، ولذلك كل ما يُشاع أن الاستهدافات الإسرائيلية تأتي في ظروف يتواجد فيها صحافيون في مناطق غير آمنة وأن القتل غير مقصود أو متعمد هو كله كذب وافتراء.
لقد قرر الاحتلال منذ البداية وضع يده على الزناد ضد كل هدف فلسطيني متحرك، حتى الدواب بشحمها ولحمها لم تسلم من الرصاص المنفلت، وغزة فعلاً تواجه تدميراً ولا حتى زلزال بقوة 9.5 على مقياس ريختر يدمر ما دمره الاحتلال الإسرائيلي طيلة العشرة أشهر الماضية.
أي دولة تدعي أنها ديمقراطية وتمارس العنف والقتل غير المبرر وخارج إطار القانون، وتسعى كل الوقت لمصادرة حقوق الآخر وممارسة سياسة تكميم الأفواه، هي حقاً دولة غير ديمقراطية ولا تنتمي للعالم المتحضر، وإسرائيل حتماً ليست من ضمن الأنظمة الديمقراطية التقدمية.
حينما تكون إسرائيل هي الجلاد وتضع نفسها مكان الضحية وتدعي حقها في الذهاب تطرفاً إلى حد إخراس كل الأصوات التي تخالفها الرأي، وحينما تُزوّر الحقيقة وتسكت الصحافة بالترهيب والقتل المتعمد، نعم هي دولة بوليسية.
ستختلق الكثير من القصص والحكايات الخرافية عن صحافيين أضروا بها وبسمعتها ومنهم من استخدم السلاح ضدها، حتى تفلت من الجريمة وتبرر أمام العالم أنها دائماً على حق ويحق لها أن تطال كل من يعلو صوته على صوتها.
ثم إن فشلها في تحقيق إنجازات ملموسة بمربع غزة يدفعها للاستكلاب أكثر والضغط على جميع الفلسطينيين وعلى رأسهم الصحافيين بهدف تحييدهم، وما جرى مع الصحافي الغول والمصور الريفي يؤكد أن إسرائيل فوق القانون ولن ترتدع طالما لا أحد يردعها.