في عام ١٩٩٢ صدر كتاب (الشرق الأوسط الجديد) لرئيس وزراء إسرائيل الأسبق شمعون بيرس وفيه يزعم إنه بتحقيق سلام في المنطقة بين الشعب اليهودي الذكي والحضاري والديمقراطي من جانب والعرب بما يملكون من ثروات طبيعية ويد عاملة رخيصة من جانب آخر وتغيير ثقافة الكراهية ونظرة العرب والمسلمين لإسرائيل واليهود ...سيتحول الشرق الأوسط إلى منطقة مزدهرة ومستقرة ،وقد صدّق كثير من الزعماء والنخب العربية هذا الخداع وانفتحوا على إسرائيل مطبعين معها وموقعين معها اتفاقات سلام كاتفاقية أوسلو واتفاقية وادي عرفه كما قام مشجعون للتطبيع بزيارات لإسرائيل وعادوا لبلدانهم متحدثين عن ديمقراطية وأخلاق اليهود مع مقارنات بين الحياة في إسرائيل وما يسود في بلدانهم كالحديث عن التعايش السلمي بين اليهود وغير اليهود وحال السجون الإسرائيلية مقارنة بالسجون الغربية وبعضهم تبنى الرواية اليهودية التوراتية إلى درجة تصديق أن الفلسطينيين هم السبب في استمرار الصراع والإرهاب في المنطقة، وقد لعبت قناة الجزيرة التي تأسست عام 1996 بشراكة إسرائيلية يهودية دورا في الترويج لهذا الشرق الأوسط الجديد وشرعت أبوابها أمام الإسرائيليين لمخاطبة العالم العربي مباشرة ليروجوا لروايتهم وكسر حالة الكراهية بين العرب والإسرائيليين وبين الديانات وعلى منوالها سارت لاحقا قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز والعربي.
مع حرب الإبادة على غزة وكل الشعب الفلسطيني انكشفت حقيقة اليهود ودولتهم العنصرية باعتراف منظمات دولية وتوثيق شهود عيان وما يقوله علانية مسؤولوهم وقيادات اليمين مثل بن غفير وسموترتش الذين يدعون علنا لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم وتعذيبهم في السجون وانتهاك أماكنهم الدينية وتبرير وتشجيع كل ما يمارسه الجيش والمستوطنون من أعمال تتعارض مع القانون الدولي والقيم الانسانية، انكشفت حقيقة أنهم قتلة أطفال ونساء ومغتصبو نساء وحتى رجال أسرى في السجون كما جرى في سجن (سدي تيمان) ومدمرون للمستشفيات والمدارس، وتتحكم بهم جماعات دينية متطرفة فاقت في تطرفها الديني وارهابها ونظرتها للآخرين جماعة داعش الإسلاموية، وقد اعتبرت منظمات دولية وخصوصا محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية ومنظمات حقوقية دولية أخرى قادة الاحتلال مجرمي حرب وطالبوا بتقديمهم أمام المحاكم الدولية ،،،فهل هذا هو الشعب اليهودي الديمقراطي الحضاري الأكثر ذكاء وأخلاقا في المنطقة الذي سيقود الشرق الأوسط الجديد وعلى يديه سيعم السلام والخير والرفاه؟؟؟؟
هذه الحرب وما صاحبها من ممارسات أسقطت أوهام ديمقراطية إسرائيل وأن جيشها الأكثر أخلاقية في العالم، ولم يعد مجالا للمقارنة التي كانت تقول بأن إسرائيل دولة ديمقراطية صغيرة وواحة تحيط بها أحراش تقطنها شعوب متوحشة تريد القضاء عليها.