تساؤلات حول اختيار السنوار

تنزيل (15).jpg
حجم الخط

الكاتب: عبد الغني سلامة


 

بعد جريمة اغتيال إسماعيل هنية، واتباعاً للنظام الداخلي لحماس، قام المكتب السياسي للحركة باختيار محمد إسماعيل رئيساً مؤقتاً إلى حين إجراء انتخابات جديدة.. وقبل أن نتعرف على القائد الجديد تفاجأنا بخبر اختيار السنوار رئيساً للحركة، دون انتخابات وخلافاً للبروتوكول التقليدي المتبع.
فهل كان الإجراء الأول خطأ ثم تنبهوا له وصححوه؟ أم أن اختيار السنوار جاء بعد تدخل دول أخرى؟ وإذا افترضنا أن إيران هي التي فرضت السنوار، فهذا يتناقض مع مقولة إن الحركة ستتحرر من هيمنة الجيوبولوتيك الإيراني، وهذا آخر ما تريده إيران. 
والأمر نفسه ينسحب على قطر، أو تركيا، وهما الدولتان المؤثرتان فعلياً على قرارات حماس وتوجهاتها.
وكيف نفهم الفرحة العارمة التي سادت الأوساط المؤيدة لحماس ومحور المقاومة؟ فعندما نقول: تم اختيار القائد المقاتل، والشجاع، أو حين نَصفه بالند الكفؤ والوحيد لنتنياهو وعصابته المتطرفة.. وكل المديح الذي قيل فيه.. وهنا لا أتحدث عن مناقبه وسماته ولا انتقص من جرأته وصلابته.. لكن ألا يعني هذا أن بقية أعضاء المكتب السياسي لحماس لا تتوفر فيهم هذه السمات؟ 
وإلا كان الأولى القول إن اختيار أي قائد من حماس كافٍ لإدارة المعركة واستمرار المقاومة، لأنها حركة دينية مبدئية أيديولوجية ذات مؤسسات ولديها نظام وأهداف...إلخ. بمعنى هل السنوار وحده من يمثل نهج المقاومة؟ 
هل كان القرار صائباً؟ أم متهوراً؟ أم انفعالياً؟ وما هي تداعياته على مستقبل الحرب، ومستقبل غزة؟ 
قبل الإجابات، من الضروري إلقاء نظرة سريعة على شخصية السنوار، ففيها مفاتيح لتلك الإجابات، خاصة وقد تبين أن حماس شأنها شأن سائر الحركات والأنظمة في العالم الثالث تخضع لشخص الزعيم، واجتهاداته (التي ستصير رأس الحكمة دائماً).
وبحسب ما يقول عنه من عاشوا معه في فترة الأسر الطويلة؛ فهو شخص عقائدي، متصلب في رأيه، مهووس بالأمن، ودائم الشك، فيه كاريزما وصفات القائد، ولا يقبل أن يكون مرؤوساً، ويحب أن يكون الشخص الأول والمتفرد، يتسم بالقسوة والحزم.. ومن جانب آخر هو شخص دمث اجتماعياً، ذكي ومثقف، ويجمع بين العناد والبراغماتية، ولديه جرأة اتخاذ القرارات الصعبة. 
حين تم انتخابه رئيساً للمكتب السياسي في غزة سنة 2017، حاول إنهاء الانقسام، وقد توعد بقتل كل من يقف في طريق المصالحة، وقد وصفته حينها أوساط من فتح بأنه يمثل التيار الوطني داخل حماس (أي التيار المختلف الذي يمثله الإخوان)، خاصة أنه لم يكن طرفاً فيما سمته حماس "الحسم العسكري"، وكان صديقاً لمروان البرغوثي، وطالما أشاد بالرئيس الراحل ياسر عرفات، ووصفه بالقائد الرمز. 
ومن بعدها فرض نفسه بقوة على غزة، والتي صارت تمثل الثقل الأكبر للحركة، ويُقال إنه تخلص من جميع أعضاء المكتب السياسي وقيادات الحركة الكبار ممن كانوا يقيمون في غزة، ما جعلهم يتجهون إلى قطر وتركيا.. وفي العام 2021 جرت انتخابات المكتب السياسي لحماس في غزة، وقد فاز فيها منافسه نزار عوض الله، فرفض التسليم بالنتيجة، وأصر على إعادة الانتخابات، والتي أعيدت بالفعل عدة مرات حتى فاز فيها. 
ويبدو أنه منذ ذلك الحين بدأت فكرة طوفان الأقصى تدور في ذهنه، ومثل خطوة كهذه تتطلب أن يكون هو المسؤول الأول، وأن يزيد من ثقل القسّام على حساب التيار السياسي للحركة، والذي كان مغيباً إلى حد كبير.
سياسياً، هو من أنصار محور المقاومة، ومن دعاة التقرب للنظامين السوري والإيراني وطالما أشاد بهما، وبحزب الله.. لذلك بعد استشهاد هنية رفض تولي مشعل رئاسة الحركة.  
ورغم أنه متحصن في الأنفاق منذ بداية الحرب، ولم يخرج مرة واحدة ولو بتصريح مقتضب، إلا إنه ما زال الرجل القوي في الحركة، فهو الوحيد الذي يعرف أماكن إخفاء الأسرى الإسرائيليين، والوحيد الذي يملك صلاحية وقدرة الإفراج عنهم، وعقد صفقة مع العدو.. لذا يمكن القول إن اختياره تمهيد لعقد صفقة.. وهذه مسألة سنعود لها لاحقاً. 
ربما جاء اختياره كحل توافقي لإنهاء الخلاف بين تيارات حماس المتنافسة، وعندما نقول عن تيارات متصارعة ليس في ذلك ذم لحماس، بل بالعكس، فوجود تيارات وتوجهات متباينة دليل صحة وحيوية، وهذا ما يميز أي حركة سياسية عن القطيع، فداخل حماس تيار مدعوم من إيران، مقابل تيار الإخوان المدعوم من تركيا، والتي تريد تحويل الحركة إلى حزب سياسي غير مسلح، يدخل في التسوية ويشارك في النظام السياسي الفلسطيني. وهذا التيار يقوده خالد مشعل.
يقتضى المنطق اختيار قائد للحركة من الخارج، بحيث يكون قادراً على التحرك، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. لكن هذا لم يحدث، بل تم اختيار قائد مطارد، ويسهل على إسرائيل توظيف اسمه للادعاء بأنها تحارب الإرهاب، إضافة إلى أنه غير قادر على الظهور (لأسباب مفهومة)، وبالتالي هذا يقيد الحركة ككل ويشلها، فمجرد الاتصال به، أو تلقي تعليمات منه يتطلب بروتوكولاً أمنياً معقداً وطويلاً ومحفوفاً بالمخاطر.. فهل اختارت الحركة تكريم السنوار بحفل وداعي، لإدراكهم أن اغتياله مسألة وقت؟ أم لإدراكهم أنه لم تعد أي عاصمة تقبل باستضافة قائد لحماس لعجزها عن حمايته؟ وبالتالي أرادوا نقل الحمل بأكمله إلى كاهل السنوار؟ وطالما أن إسرائيل من المستحيل أن تتحاور مع السنوار لأنها تريد تصفيته باعتبار ذلك أهم مؤشر لانتصارها، إلا إذا كان الحوار معه على تسليم الرهائن وخروجه؛ أي أنه سيضحي بنفسه لإنهاء الحرب؟ فهو الوحيد القادر على اتخاذ قرار من هذا الحجم. 
فعلياً، السنوار يقود المفاوضات منذ بداية العدوان، لكنه فقدَ الكثير من عناصر قوته، فقد قتلت إسرائيل أغلب أعضاء المجلس العسكري، وعدداً من أعضاء المكتب السياسي، وعدداً غير معروف من كوادر ومسلحي القسام، وما تبقى للسنوار هو صفته الاعتبارية والرمزية، وهذه استخدمتها حماس للرد على إسرائيل، ولاستعادة صورة القيادة القوية، واستعادة وحدة الحركة في لحظة حاسمة ومصيرية.
وإذا كان اختيار السنوار يعني عودة الثقل السياسي لحماس إلى غزة، وبالتالي سيكون القرار المصيري بيده، وهذا يرجح فرضية أن السنوار الوحيد القادر على اتخاذ قرار صعب سيكون ثمنه غالياً على حماس، أو الدفع بالأوضاع حتى آخر مواطن، بحسب نظرية "أصحاب الأخدود" المرعبة والصفرية، وهذا يعني أن الحركة فقدت خياراتها السياسية، خاصة أن مصير غزة لم يعد بيد حماس، وأن الموضوع برمته تجاوزها منذ أشهر عدة، وصار بيد القوى الدولية والإقليمية.