عود على بدء ! سؤال اتساع الحرب والصفقة وزيارة موسكو

image_processing20230801-700669-7pfmr5.jpg
حجم الخط

بقلم جمال زقوت

 

 

تمضي الأيام ثقيلة على مجمل شعوب المنطقة تحسباً من احتمال انزلاقها نحو حرب إقليمية، لا يرغب بها أحد غير نتنياهو. فالولايات المتحدة تحاول عبر مسارين يبدوان متوازيين، ولكنهما في الواقع يخدمان هدفاً جوهرياً لواشنطن وهو عدم تورطها المباشر في مثل هذه الحرب التي يسعى نتنياهو لجرها إليها. و يبدو أن الجهود الدبلوماسية التي تقودها واشنطن هذه المرة أكثر جدية قياساً بسابقاتها، سواء لجهة احتواء إمكانية اندلاع هكذا حرب، أو لجهة محاولة التوصل لاتفاق يفضي لوقف الحرب على قطاع غزة، وضمان صفقة تبادل معقولة، باعتبار أن ذلك قد يكون ثمناً مقبولاً لكل من إيران، وحليفها المركزي حزب الله. أما المسار الثاني والمتمثل باستعراض القوة العسكرية في البحرين المتوسط والأحمر بالغواصات والأساطيل الحربية وحاملات الطائرات وقوات المارينز، فإنه يأتي لتأكيد التزام واشنطن العملي بالشراكة في الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وليس مجرد التحالف مع إسرائيل لضمان أمنها الاستراتيجي. فهذا الحشد غير المسبوق يأتي لتعويض اهتزاز قوة الردع الإسرائيلية المتآكلة تدريجياً أمام حركة مقاومة محدودة التسليح في قطاع غزة، ولضمان تفوق القدرة العسكرية لإسرائيل على مجمل المنطقة كثابت من مبادئ السياسة الخارجية لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط. إلا أنه يمكن اعتباره أيضاً جزءاً لا ينفصل عن المسار الدبلوماسي الذي تقوده واشنطن تحت ضغط القوة العسكرية لمنع الحرب أو على الأقل ضبط الرد على اغتيال القائدين إسماعيل هنية في طهران، وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي ما زال محتملاً وفق تصريحات إيران وحزب الله وأطراف المحور الأخرى، والذي أيضاً يحاول استعراض القوة والقدرة على ردع إسرائيل بهدف ضمان تحقيق صفقة إقليمية من المؤكد إن تمت فإن وقف الحرب على قطاع غزة ومنع هزيمة المقاومة فيها ستكون جزءاً منها، ولكن ليس كلها.


الشعب الفلسطيني هو صاحب المصلحة الكبرى في وقف الحرب على القطاع، ومنع اتساعها لحرب إقليمية.

 

 فرغم تباين مواقف الأطراف الفلسطينية إزاء كيفية التوصل لاتفاق ينهي حرب الإبادة على قطاع غزة، إلا أن جميع الأطراف وفي مقدمتهم أهل غزة يريدون وقفها اليوم قبل الغد، ومن الواضح أن مطالب المقاومة لابرام اتفاق يضمن وقفها هي واقعية، وباتت محل إجماع وطني وشعبي لجهة ضمان الوقف الشامل والانسحاب الكامل وتدفق مواد الإغاثة الإنسانية والطبية لإنقاذ حياة البشر من أبشع كارثة إنسانية تخلفها حرب الإبادة الإسرائيلية على شعبنا، تمهيداً لاعادة إعمار ما دمرته هذه الحرب.


إيران برئاسة الاصلاحي مسعود بزشكيان لها مصلحة في الانفتاح على الغرب والإقليم، ويبدو أن أحد رسائل نتنياهو في اغتيال القائد هنية في طهران، استهدفت إرباك التوجه الإيراني، وإجباره على الاختيار بين قيادة محور المقاومة والمضي بالمشروع النووي، وبين إمكانية الانفتاح على الغرب، بالإضافة طبعاً لسعيه الحثيث لجر واشنطن لحرب إقليمية، وقد تلقت طهران، التي بذلت جهوداً دبلوماسية مركزة لحشد الدعم الاقليمي والدولي لموقفها، رسائل من مختلف الأطراف سواء بعدم الانجرار لحرب يريدها نتنياهو لتوريط المنطقة، أو على الأقل ضبط ردها، كي لا يعطي مبرراً لنتنياهو لرد يشكل صاعق التفجير .


ورغم ارتفاع صوت الطائرات والأساطيل على صوت الدبلوماسية، فإنه بالامكان المجازفة بالقول أننا أقرب إلى منع انفجار حرب إقليمية من احتمال اندلاعها، ولكن ذلك لن يكون بأي ثمن، وأقله يجب أن يترجم باتفاق جدي يضمن وقف إطلاق النار، وفقاً لمبادرة بايدن وقرار مجلس الأمن، أي بضمان الانسحاب الكامل وترابط المراحل لوقف شامل لإطلاق النار والإغاثة والإعمار، وهو الموقف الذي يحظى باجماع دولي وإقليمي. ويبقى سؤال الاختبار لواشنطن هو: هل ستنجح واشنطن في احتواء ألاعيب نتنياهو لتخريب الصفقة والاستمرار في الحرب، وهو الذي يتعامل مع إدارة بايدن كبطة عرجاء في انتظار إمكانية قدوم ترامب؟ الإجابة على هذا السؤال هي في مدى جدية الولايات المتحدة في توازن دورها بين مصالحها لدى شعوب و دول المنطقة وبين التزامها المطلق بأمن إسرائيل، وتوافقها معها في أهداف حربها على القطاع، رغم فشل إسرائيل في تحقيقها.


لقد فعلت حركة حماس الصواب بامتناعها عن المشاركة في المفاوضات القادمة دون إغلاق بابها، مؤكدة على موقفها القابل لقرار مجلس الأمن، داعية "الوسطاء" لتقديم خطة لتنفيذ ما اتفق عليه، وقد سبق لحماس أن رحبت "بمبادرة بايدن" وقرار مجلس الأمن، وذلك لقطع الطريق على أحابيل نتنياهو التي لا نهاية لها، مستفيدة- أي حماس- إن لم تكن فاحصة لمدى رغبة الولايات المتحدة بعدم الانجرار لحرب إقليمية. فحدود ما يجمع عليه الفلسطينيون واضح ومعلوم لكل الأطراف، وهو ما تضمنه قرار مجلس الأمن من أسس باتت محل إجماع دولي.


السؤال الأخير والذي بدونه لن يكون جواب الصفقة مكتملاً، وهو المتصل بمستقبل غزة في الكيانية الوطنية بعد الحرب. وهنا لا يكفي الإجابة عليه بمجرد أن هذا شأن فلسطيني داخلي لا يحق لأحد التدخل فيه، فرغم صحة ذلك، إلا أن المسؤولية الوطنية تقتضي تقديم إجابة وطنية موحدة على هذا السؤال. هكذا جواب موحد هو الذي يجعل منه شأناً داخلياً، حتى وإن تعارض مع معظم الأطراف ذات العلاقة سيما حكومة إسرائيل الفاشية.

 

 أما ما يروج له حول ما يسمى "هيئة حكومية في غزة"، أو "هيئة دولية للإعمار" ليست جزءاً من حكومة توافق موحدة للضفة والقطاع، فهي وتحت ذريعة حلول وسط مع ما تريده إسرائيل، أو عزل قضية الإعمار عن السلطة لأن الحكومة الفلسطينية الحالية ليست محل إجماع فلسطيني ولا محل ثقة دولية، فهذا يتطلب الذهاب لحكومة توافقية محل ثقة الشعب الفلسطيني أولاً وأخيراً . فهذه الخطوة تمثل الإصلاح السياسي الاستراتيجي المطلوب، وليس التناغم مع إصلاح يمس الوطنية الفلسطينية في قضيتي الأسرى والمناهج التعليمية، وسيضطر العالم لاحترام هذا الموقف والتعامل معه، الأمر الذي سيقطع الطريق على نوايا نتنياهو الخبيثة بالتمترس خلف عزل غزة عن الكيانية الوطنية من خلال استمرار الانقسام، بل وتحويله لانفصال اعتبره شمعون بيرز "الإنجاز التاريخي الثاني بعد تأسيس دولة إسرائيل " سيما أنه يحقق لنتنياهو ومعه شبه الإجماع الصهيوني بمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 1967.


وفي هذا التوقيت تأتي زيارة الرئيس محمود عباس إلى موسكو، والتي إن أرادت أن تلعب دورياً محورياً في الشرق الأوسط، والإسهام بوقف الحرب ضد قطاع غزة تمهيداً لانهاء الصراع الطويل الذي طالما وقفت فيه موسكو إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني، فإن هذا الارث يلزمها بلعب دور فعّال في استعادة الوحدة الفلسطينية، بدعوة الرئيس عباس للمضي قدما لتنفيذ ما اتفقت عليه الفصائل في بكين، وسبق أن توافقت على مبادئه في موسكو وغيرها من العواصم، سيما لجهة انضمام جميع الفصائل، بما في ذلك حركتي حماس والجهاد لهيئات منظمة التحرير القيادية لتصبح جبهة متحدة، وقيادة وطنية موحدة للنضال الوطني الفلسطيني، بالإضافة إلى تشكيل حكومة توافق تلتزم بتنفيذ أجندة الأولويات الوطنية المتفق عليها، تمهيداً لاجراء انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية ورئاسية في موعد لا يتجاوز الثلاث سنوات، تلتزم حكومة التوافق خلالها بتهيئة الأجواء لضمان نزاهتها، وكوسيلة ديمقراطية لترسيخ وحدة الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية الجامعة، وحقه الطبيعي في اختيار قيادته كجزء لا يتجزأ من حقه في تقر المصير. هذا ما يضمن سد الثغرات وقطع الطريق أمام أية ألاعيب اسرائيلية أو تواطؤ أمريكي أو غيره . فقط هذا الطريق هو القادر على إعادة الأمل للناس في البقاء والصمود وإلحاق الهزيمة السياسية بالمشروع الصهيوني الهادف لتصفية القضية الفلسطينية، وإجبار واشنطن وتل أبيب على الاعتراف بكافة حقوق شعبنا الوطنية، كما عرفتها قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.

الشعب الفلسطيني هو صاحب المصلحة الكبرى في وقف الحرب على القطاع، ومنع اتساعها لحرب إقليمية. فرغم تباين مواقف الأطراف الفلسطينية إزاء كيفية التوصل لاتفاق ينهي حرب الإبادة على قطاع غزة، إلا أن جميع الأطراف وفي مقدمتهم أهل غزة يريدون وقفها اليوم قبل الغد.