الأخبار المتداولة عن اتصالات جرت مؤخراً بين اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وبين تيار القيادي محمد دحلان، تبشر بحدوث تطورات إيجابية على صعيد وحدة حركة «فتح» الداخلية، وعلى المستوى الأوسع بين مختلف الفصائل والقوى الوطنية. صحيح أن هذه الخطوة متأخرة كثيراً، ولكن أن تأتي متأخرة أفضل من ألا تأتي أبداً. وهي في كل الأحوال تصب في محاولات ترتيب الأوضاع الفلسطينية للمرحلة القادمة التي تبدأ بوقف الحرب الإجرامية المدمرة على قطاع غزة. وهي بطريقة ما مرتبطة بإعلان الرئيس محمود عباس عن التوجه إلى قطاع غزة. وهذه العودة مرتبطة بترتيبات عديدة منها ما هو متعلق بمراكز القوى في غزة.
الحديث يدور عن السعي لإعادة كل الفتحاويين من مؤيدي التيار إلى حركة «فتح» بعد أن تم فصلهم منها بتهمة «التجنّح»، وهذا لا يشمل محمد دحلان الذي هو في هذه المرحلة لا يرغب بأي منصب أو موقع، وما يعنيه - حسب ما نقل عن لسانه - هو وحدة الحركة بما يشمل الجميع، ومنهم القيادي ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية السابق، ومؤيدو عضو اللجنة المركزية مروان البرغوثي. بمعنى لملمة صفوف الحركة بكل تياراتها. وهذه الخطوة إن تمت ستمكن الحركة من استعادة قوتها بصفتها العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتمكنها من أخذ موقعها في قيادة الحالة الفلسطينية سواء الحركة الوطنية أو الدولة.
ولا يغيب عن الكثيرين أن السبب الرئيس بإلغاء الانتخابات العامة في فلسطين كان الخشية من هزيمة «فتح» التي دخلت بثلاث قوائم مختلفة، ولم يكن بإمكان القائمة المركزية، المدعومة من الرئيس واللجنة المركزية، أن تحصل على الأغلبية أو حتى أن تكون القوة الأولى في البرلمان. طبعاً بالإضافة إلى أسباب أخرى، مثل قضية الانتخابات في القدس والتي كان من الممكن التوافق عليها وطنياً.
إذا نجحت المصالحة الفتحاوية ستتمكن السلطة من العودة إلى قطاع غزة دون مشاكل، هذا بطبيعة الحال مرتبط بوجود قرار حقيقي بالعودة. فزيارة الرئيس، وتمكّن السلطة من بسط نفوذها على قطاع غزة، مرتبطان بتوافق وطني شامل يضم كل الفصائل، خاصة حركة «حماس»، ويبدو أن المدخل لهذا التوافق يرتبط بالقدرة على إعادة إعمار قطاع غزة، وأن تكون السلطة الحاكمة موافقاً عليها إقليمياً ودولياً. وفي هذا السياق، هناك دور مركزي مهم للقيادي محمد دحلان في التأثير على «حماس» وعلى أطراف عربية مؤثرة في موضوع تمويل إعادة البناء.
وهناك تطوران مهمان في موضوع الوحدة الوطنية الشاملة ووحدة «فتح» الداخلية، عدا الاتفاق الفصائلي في الصين. وهما زيارة الرئيس محمود عباس إلى كل من روسيا والمملكة العربية السعودية. ولا شك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حث الرئيس أبو مازن على الوحدة الداخلية، وأبدى استعداد موسكو لاستضافة لقاءات تكرس هذه الوحدة. وربما قدم معلومات استخبارية مهمة عن مخططات تحاك لمستقبل قطاع غزة غير ما تفكر به القيادة الفلسطينية. أما زيارة السعودية، فكانت مقررة منذ فترة وهي ترتبط بشكل رئيسي باليوم التالي للحرب في قطاع غزة والتنسيق العربي - الفلسطيني. وهي على ما يبدو تذهب باتجاه إعادة ترتيب أمور السلطة الوطنية بشكل يجعلها أكثر قبولاً إقليمياً ودولياً.
في الواقع، الوحدة الفتحاوية على درجة كبيرة من الأهمية لترتيب الساحة الداخلية بشكل جدي استعداداً لعملية سياسية قادمة بعد حرب غزة الكارثية. فالمجتمع الدولي الآن بات على قناعة بأهمية وضع حد نهائي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي أضحى إقليمياً بامتياز ويهدد الاستقرار والأمن الدوليَّين. وهناك شرطان لنجاح أي عملية سياسية قادمة تفضي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهما وجود حكومة إسرائيلية مستعدة للذهاب إلى تسوية، ووجود سلطة فلسطينية واحدة تسيطر على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
لكي تكون هناك حكومة إسرائيلية معنية بالسلام، لا بد من حصول انتخابات جديدة في إسرائيل تقود إلى تركيب حكومة مختلفة تكون معنية بالسلام. وهذا يتطلب ضغطاً دولياً وإقليمياً واسعاً مع محفزات أخرى. أما موضوع السلطة الوطنية فهو يحتاج إلى إصلاح جدي في مختلف المجالات يحوّل السلطة إلى مؤسسة ذات مكانة شعبياً وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي. وهذا أصبح متداولاً ومعلوماً لدى الجميع. ولكن هناك مسألة على درجة كبيرة وهي موضوع التوافق على الأمن في غزة. فمن الضروري جداً أن تقنع السلطة الوطنية كل العالم بأنها الوحيدة المسيطرة على قطاع غزة، وأنه لا توجد مليشيات مسلحة ولا ازدواجية أجهزة أو سلطة، وأن يحتكم الجميع إلى قانون واحد ونظام واحد وسلاح شرعي واحد. وهذا من شأنه أن يعيد تحريك الحياة الديمقراطية ويمهد الطريق أمام انتخابات عامة مطلوبة بشدة؛ لضمان تثبيت الإصلاح وقيام دولة فلسطينية ديمقراطية قائمة على الفصل بين السلطات، ونظام عصري يتيح تنمية حقيقية للمجتمع الفلسطيني المتعب والمنهك من الاحتلال والمعاناة المتواصلة. والجميع في الساحة الفلسطينية متفق حول قيام دولة فلسطينية ديمقراطية تعيد للإنسان الفلسطيني كرامته وحقوقه المهدورة. وما علينا إلا أن نبدأ بالخطوة الأولى المطلوبة وهي الوحدة والمصالحة الشاملة.
عقارب الحرب الشاملة ..!
22 سبتمبر 2024