العديد من الأسباب التي ستعجل من المواجهة الداخلية في اسرائيل وذلك في إطار الاستشراف، وبناء على المعطيات التي تشير الي تحول اسرائيل من دولة علمانية ديمقراطية الي دولة ثيوقراطية خلال العشرين عام القادمة.
حرصت الحركة الصهيونية، منذ العام 1948 على العمل على تأسيس دولة علمانية ديمقراطية، وهذا كان بالتنسيق مع المنظومة الغربية الاستعمارية التي واجدت اسرائيل، وتعد الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، وهذا القرار كان له عدة أبعاد استراتيجية، لخدمة اسرائيل، أبرزها تقديم نموذج لدولة علمانية ديمقراطية، تحاكي الأنظمة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، واوروبا، ليكن نظاماً نموذجياً في منطقة تصنف من دول العالم الثالث، لتتمكن اسرائيل من إظهار هذا النموذج العلماني الديمقراطي المتقدم، لتجمل صورتها العنصرية الاجرامية القبيحة، امام العالم، اضافة لمراعاة طبيعة المهاجرين القادمين من مجتمعات مختلفة، ويحملون ثقافات مختلفة، وينتمون لأيدولوجيات مختلفة، اضافة لرفض اليهود الارثوذكس الحريديم لفكرة الدولة في بدايات التأسيس لأسباب دينية.
هذه الأسباب دفعت الحركة الصهيونية العلمانية في حينه لاتباع سياسة التوازن والاحتواء لهذه المكونات المختلفة في المجتمع الاسرائيلي، بهدف الوصول للهدف بتأسيس دولة علمانية ديمقراطية ببعد ديني يهودي داعم للأيديولوجيا الصهيونية، والعمل على إقناع اليهود الأرثوذكس"الحريديم" الرافضين لفكرة الدولة وصولاً لاتفاق"الوضع القائم"الذي تم بين بن غوريون و التيار الديني الارثوذكسي، ممثلاً بحزب"اغودات يسرائيل"عشية الإعلان عن قيام الدولة العبرية.
وكان بن غوريون يهدف من هذا الاتفاق ضمان تأييد الأرثوذكس المتدينين، لقيام الدولة وعرض موقف مُوحد
لليهود الموجودين في فلسطين الانتدابية من القرار، تضمن اتفاق"الوضع القائم" تسويات، تضمن الحفاظ على مكانة الدين اليهودي وتعاليمه في دولة إسرائيل، وذلك والحفاظ على تعاليم يوم السبت بما في ذلك اعتبار السبت الإجازة الرسمية المقدسة، ومنع عمل المواصلات العامة، والتجارة وغيرها يوم السبت ، والحفاظ على الطعام الحلال حسب
الشريعة اليهودية (كوشير)؛ وبناء جهاز تعليمي خاص للمتدينين وتبنّي المنظومة الدينية في شؤون الأحوال الشخصية،
مقابل التزام الحرديم بالعمل على دعم وتعزيز الأيديولوجيا الصهيونية من خلال الدين لتكون الصهيونية ببعد ديني توراتي، مقابل إعفائهم من الخدمة في الجيش والأمن، والمشاركة السياسية في الدولة، مع عدم التدخل في سياساتها في مؤسساتها تشكيلة المجتمع الاسرائيلي، يتشكل المجتمع الاسرائيلي من يهود. وعرب، ودروز ، وبعض الأقليات،
حقيقة المجتمع الاسرائيلي، بحسب وصف الكثيرين من المؤرخين اليهود بأنه عبارة عن فسيفساء صغيرة منقسمة لعدة انقسامات، عرقية أيدولوجية سياسية اجتماعية، واقتصادية.
المجتمع الاسرائيلي يتشكل من يهود ،وعرب، ودروز، وبعض الأقليات، واليهود في المجتمع الاسرائيلي يشكلون 74% ، وما تبقى من عرب يشكلون 23% ، اضافة الي الدروز والأقليات الذين يشكلون 3% .
المجتمع اليهودي، ينقسم الي مهاجرين من ثقافات متعددة وأيديولوجيات متعددة ومختلفة، شرقية وغربية، يمينية ويمينية دينية ويمينية دينية قومية، اضافة للعلمانيين، واليساريين.
ويعاني المجتمع اليهودي من الانقسامات الدينية مثل "الخلافات بين الأرثوذكسية الدينية" و"الارثوذكسية الدينية القومية"
الى جانب الخلافات بين المتدينين بالعموم، مع العلمانيين، واليساريين والعرب، والدروز، والأقليات، واللا دينيين، على حد سواء اضافة للخلاف بين مجمل ما تم ذكره من اليهود مجتمعين، بمختلف توجهاتهم وتناقضاتهم، مع العرب والمسحيين والدروز، والملحدين، الذين يشكلوا ما نسبته26%من السكان.
هذه الانقسامات ستؤدي لمزيد من الكراهية في المجتمع الاسرائيلي لا سيما في ظل تصاعد قوة اليمين" واليمين الديني والقومي في الدولة، ومحاولة اليمين السيطرة على مؤسسات الدولة وتحديداً "القضاء والجيش والأمن" في ظل فشل العلمانيين في التصدي لليمين، بسبب تراجع قوتهم ونفوذهم في المجتمع الاسرائيل، برغم أنهم يشكلون النخبة السياسية والعلمية في الدولة ومسيطرين علي قطاع المال والأعمال ونسبتهم كانت تتجاوز 80% في المجتمع
اليهودي، لكن نسبتهم اليوم بدأت تتراجع الي ان وصلت 41% في اسرائيل، ومازالت تتراجع اكثر بسبب الهجرة المعاكسة من اسرائيل، مقابل تصاعد قوى اليمين، واليمين الديني والقومي في المجتمع الاسرائيلي، لتتجاوز نسبتهم اكثر
من 50 % اضافة للمهاجرين الجدد الذين بدأوا بالعودة لاسرائيل بعد احداث السابع من اكتوبر بسبب تصاعد العداء لليهود في الغرب، سيما من فئة اليهود المتدينين والقوميين والذين سيساهمون تباعاً بتصاعد قوى اليمين وصولاً للهيمنة على مؤسسات الدولة المتمثلة، في "القضاء والجيش والأمن" لفرض رؤيتهم التوراتية ببعدها الديني والسياسي سواء بحسم الصراع مع السكان الأصلين من غير اليهود، والسعي لتحقيق الحلم التوراتي، دولة اسرائيل من النيل الي الفرات، اضافة للبعد الديني وفرضه على المجتمع الاسرائيلي، من قدسية السبت، وإغلاق للنوادي الليلية، وبيوت الدعارة، ومهاجمة المثليين واحتشام المرأة، والفصل بين الجنسين في الأماكن العامة ، وفرض التعليم الديني في المدارس، والجامعات، والكنس في معسكرات جيش الاحتلال الاسرائيلي.
كل هذا الخلافات كانت موجودة لكنها بقيت كامنة، في المجتمع الاسرائيلي لعدة أسباب، ويتمثل السبب الاول في القاسم المشترك الذي اجتمع عليه اليهود بمختلف توجهاتهم وبمجمل تناقضاتهم، والذي يتمثل بالكراهية لكل من هو موجود على ارض اسرائيل من مواطنين في الدولة من غير اليهود، حتي الموالين منهم للدولة ولاء مطلقا، والرغبة في حسم الصراع مع السكان الأصليين من الفلسطينيين، الذين صمدوا وثبتوا على الارض، ولم يهاجروا.
اما السبب الثاني وهو الاهم والمتمثل في مؤسسات الدولة لا سيما مؤسسة القضاء، التي تتمتع بالسلطة المطلقة في الدولة، والموصوفة بالنزاهة، التي شكلت ضمانة لكل مواطني الدولة، بالحرية والمعتقد الديني والعدالة الاجتماعية.
ثيوقراطية الدولة، ستدفع واليمين ،واليمين من المتطرف من الصهيونية الدينية والقومية، لتحجيم القضاء كاعلي سلطة في الدولة والتي شكلت طيلة 76 عام حماية لتماسك هذا الفسيفساء منذ قيام الدولة، ليصبح القضاء تباعاً من سلطة مطلقة في الدولة، الي سلطة هامشية ثانوية تحت سيطرة السلطة التنفيذية.
اضافة لاحد الاسباب التي ستعزز المواجهة، في حال سيطرة اليمين على مؤسسات الدولة، الصراع على هوية الدولة
التي أرساها القادة المؤسسون العلمانين، بدعم من المنظومة الغربية، للأسباب التي ذكرت أعلاه ايضا من الأسباب التي ستساهم في تصاعد المواجهة الانقسامات الداخلية، الايدلوجية الاجتماعية والاقتصادية في ظل غياب العدالة الاجتماعية، بين "اليهود والعرب من جانب واليهود والأقليات الأخرى من جانب آخر.
من الواضح ان "القوى اليمينية" والصهونية الدينية "والصهيونية الدينية القومية" ذاهبون لهدم وردم الدولة التي انشأها المؤسسون الاوائل والتي شكلت نموذج في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واستقلالية القضاء النزيه، الذي تفاخر به اسرائيل، والمصنف دوليا من انزه القضاء في العالم، مقابل انتاج دولة ثيوقراطية يحكمها مجموعة من الارهابيين المنبوذين في العالم أمثال ايتمار بن غفير، وبتسلئيل سموترتش، هذه الدولة المرتقبة ستساهم في تعجيل الخراب الثالث.