تصاعد المواجهة على جبهات الإسناد

WptCE.jpg
حجم الخط

الكاتب: رجب أبو سرية


 

منذ أسابيع عديدة، وبعد أكثر من ثلاثة شهور على العملية البرية في رفح، والتي بدأت مع مطلع أيار الماضي، والإسرائيليون بمستوييهم العسكري والسياسي، بمن فيهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه، يعلنون عن انتهاء العملية العسكرية في قطاع غزة، وطبعاً هذا لا يعني وقف حرب الإبادة، لأن ذلك يعني الإعلان عن وقف الحرب، وكانت ترجمة ذلك عدم تمركز أو بقاء قواتهم العسكرية في مواقع ثابتة في معظم مدن القطاع بما في ذلك خان يونس ورفح، ما نتج عنه انخفاض في عمليات المقاومة، التي اعتمدت منذ وقت حرب العصابات، وبهذا الوضع، ظنت الإدارة الأميركية أن الجانب الإسرائيلي صار جاهزاً لتوقيع صفقة التبادل، لكن لأسباب سياسية خاصة بنتنياهو وائتلافه المتطرف، لم يحصل ولن يحصل ذلك، ومع استحالة إعلان نتنياهو انتهاء الحرب، لا عبر صفقة ولا من جانب واحد، فإن الاحتمال المرجح بدا هو أن ينتقل مركز الثقل العسكري إلى جبهة أخرى.
وقد حاولت إسرائيل أن تنقل الحرب إلى دائرة الحرب الإقليمية، مع إعلانها انتهاء عملية رفح، متوقعة أن يحدث ذلك كرد من قبل إيران وحزب الله، بعد عمليتها الأمنية المزدوجة في العمق الإيراني التي استهدفت حياة الشهيد إسماعيل هنية، وفي الضاحية الجنوبية من بيروت، حيث معقل حزب الله، باغتيال الشهيد فؤاد شكر، لكن الطرف الآخر، وضع إسرائيل في حالة ترقب يرافقها التوتر وشد الأعصاب، ولم ترد إيران بعد، رغم التزامها الرسمي بذلك، فيما رد حزب الله بعملية اعتبرها الحزب موجعة لإسرائيل، لأكثر من سبب، فهي قد وصلت عبر ست مسيرات إلى قلب تل أبيب، بل إلى مركز القيادة الأمنية حيث الوحدة 8200.
وفي ظل الإعلان المتناقض من قبل الطرفين، توقف الرد والرد المضاد، ولم ينزلقا إلى حرب مفتوحة بينهما، فيما ما زال الرد الإيراني معلقاً، أما رد الحوثي اليمني على قصف إسرائيل لميناء الحديدة والذي سبق اغتيال الشهيدين هنية وشكر، فقد ظل معلقاً حتى يوم أول من أمس، فيما ظل اليمن يتوعد بشكل متواصل إسرائيل برد مفاجئ وغير مسبوق، إلى أن وصل الصاروخ فرط الصوتي، والذي قطع مسافة 2040 كيلو متراً من اليمن حتى يافا، في أقل من ربع ساعة، دون أن تعترضه منظومات القبة الحديدية الإسرائيلية، في ما أطار وصول الصاروخ اليمني إلى العمق الإسرائيلي صواب نتنياهو، حتى دون أن يوقع ضحايا في صفوف الإسرائيليين، وذلك لأكثر من سبب، أول الأسباب هو أن اليمني لم يرتدع بقصف الطائرات الإسرائيلية لميناء الحديدة، وثانياً، لأن اليمني لا يكتفي بإغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات)، بعد أن قطع عنها كل السفن التجارية، وهو لا يزال يمارس كونه جبهة إسناد فعالة وحيوية للغاية، رغم بعده الجغرافي وانعدام وجود حدود بينه وبين فلسطين.
بعد رد حزب الله، حيث تأكد عدم انزلاق الطرفين إلى حرب مفتوحة، رد محور المقاومة بتسخين جبهة الضفة الفلسطينية، والتي تعتبر هي الجبهة الأخطر على الجانب الإسرائيلي، نظراً لأنها تعيد الصراع إلى مبتدأ الحكاية، وإلى جوهره الفلسطيني/الإسرائيلي، ومحوره الصراع على حل الدولتين، وبالفعل شهدت الأسابيع الماضية إشارات تؤكد هذا المنحى، إن كان من خلال زج إسرائيل بكتائب عسكرية إضافية لجبهة الضفة، أو من خلال تنفيذ عمليات عسكرية ناجحة ضد قوات الاحتلال.
ثم هدأت نسبياً هذه الجبهة أيضاً، فيما تزايد حديث اليمن عن الرد، الذي جاء أول من أمس، مع الإشارة إلى أن اليمن ربما لا يكتفي بذلك.
اليمن رد على نتنياهو بالإعلان عن التحول إلى المرحلة الخامسة من حربه ضد إسرائيل إسناداً للجانب الفلسطيني الذي يواجه حرب الإبادة الإسرائيلية ببسالة ورباطة جأش، وماهية المرحلة الخامسة تتراوح على ما يبدو بين توسيع رقعة السيطرة البحرية اليمنية، التي نجحت في شل إسرائيل اقتصادياً، ونجحت في إجبار القطع العسكرية الأميركية والبريطانية التي تكفلت بهذه الجبهة عن إسرائيل على الرحيل، بما يشمل البحر المتوسط بعد بحري العرب والأحمر، وربما أيضاً تتضمن مفاجأة لا أحد يعرف كيف يمكن تنفيذها، وهي أن يصل اليمني إلى حد فتح جبهة مواجهة برية مع إسرائيل، حيث تعددت التقديرات التي يقول بعضها، بأن اليمن يقصد بذلك ضرب إسرائيل بما لديه من صواريخ كروز وبالستية بعيدة المدى، تتجاوز الألفي كيلو متر التي تفصل بين البلدين، كما فعل بإطلاق الصاروخ الفرط صوتي والذي وصل فعلاً مشارف تل أبيب.
والحقيقة أن صمود غزة، مع استمرار جبهتي إسناد لبنان واليمن بفعالية متواصلة، منع إسرائيل من تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في قطاع غزة، والتي كانت تنوي أن تلحق بها الضفة الفلسطينية أيضاً، نقصد هدف التهجير وطرد السكان، إلى خارج حدود دولة فلسطين.
وتحدث إسرائيل كاتس وزير خارجية إسرائيل، عن مخاطر إمداد الضفة الفلسطينية بالعتاد والأسلحة، بحيث رد نتنياهو بالتعهد بإقامة جدران العزل العنصري، وفيما أعلن الحوثي بإطلاقه صاروخه على تل أبيب عن المرحلة الخامسة من حربه ضد إسرائيل، أعلنت إسرائيل بنفسها عن توسيع دائرة الحرب مع حزب الله، باستهداف مناطق في العمق اللبناني على بعد 150 كيلو متراً بالغارة على حوش السيد في الهرمل، فيما رد حزب الله بتوسيع المنطقة الأمنية حيث أدخل مستوطنات روش بينا ونهاريا في دائرة استهدافه.
وقد قالت القناة 12 الإسرائيلية إن نتنياهو قرر توسيع العملية في الشمال، وذلك لامتصاص - على ما يبدو - غضب سكان مستوطنات الشمال المهجرين مع بدء العام الدراسي، فيما شد بيني غانتس على يد نتنياهو قائلاً إنه حان وقت الشمال، هكذا تتوسع العملية العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، بشكل يبدو وسطاً بين حرب شاملة، والاشتباك وفق القواعد بين الجانبين الذي استمر طوال عام مضى، وهذا يعني أن حرب عض الأصابع التي تقترب من إقفال عامها الأول بين إسرائيل من جهة وجبهات إسناد المقاومة الفلسطينية من جهة ثانية، ما زالت متواصلة، فيما الإعلان عن انتهائها ما زال بعيداً، وكذلك حسمها لأي من الطرفين ما زال غامضاً، ذلك أن الحسم يعني إلقاء كل ما في جعبتي الطرفين من عناصر القوة العسكرية، ولأن إسرائيل هي الطرف المتعجل دائماً والمعتاد على الحروب الخاطفة، فإنها غير قادرة على شن حرب واسعة على لبنان، أو الانتقال من الجنوب من غزة للشمال، وذلك بسبب الرفض الأميركي مشاركتها في حرب إقليمية تبدأها هي، وبسبب عجز جيشها المنهك عن الدخول في معركة أصعب في الشمال، ثم كذلك بسبب ما لدى حزب الله من قوة عسكرية تفوق بأضعاف ما لدى حماس.
هكذا وبعد أن كان الحل السياسي ممكناً وخياراً أفضل لإسرائيل، وكان محصوراً بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأميركا الراعي المنحاز لإسرائيل، آثر التطرف الإسرائيلي أن يغلق مسار الحل، وأن يفتح أبواب الحرب ليفرض بقوته العسكرية الاستسلام على الجانب الفلسطيني، ليجد نفسه في مواجهة ليس الفلسطيني وحده، بل ومعه أشقاء يمكنهم أن يساندوه للتصدي للفاشية الإسرائيلية.