ما أكثر الرجالَ الذين جعلوا سنواتِ أعمارهم دعاماتٍ لبناء الوطن، هؤلاء لا تُحسب سنوات أعمارهم بالسنوات والشهور والأيام، وإنما تُحسب بآثارهم التاريخية والثقافية، ومسيرتهم النضالية، هؤلاء هم وشمٌ أزلي على وجه الوطن، ليس من قبيل المبالغة القول:
إن سيرَ هؤلاءِ الأبطالِ العطرة ستظلُّ عابقةً في أجواء الوطن، أبد الدَّهر.
لن أنسى هذا الرجلَ الذي اعتدتُ أن أزوره دائما، كنتُ أنظرُ إليه فلا أرى في شخصِهِ سوى التاريخ الفلسطيني، المشحون بالمحبة، والتضحية، والعطاء غير المحدود.
كثيرون من الجيل الجديد لا يعرفون كثيرا عن رجل التاريخ والنضال، موسى عيسى سابا، سوى أنه مؤسس لجمعية الشبان المسيحيين في غزة، جمعية الثقافة والتنوير ، جمعية العطاء والوفاء، بلا حدود، وبلا قيود، وبلا فواصل دينية أو عرقية أو مذهبية.
ليس من المبالغة القولُ:
إن هذا الرجل يجمع في شخصه، صفاتِ المناضل الفلسطيني، المناضلِ ضد القمع والاحتلال، والبطش والطغيان، هذا المناضل الفلسطيني لم يكتفِ بمواجهة المحتلين، ولم يُثنِه السجنُ والتهديدُ عن مواصلة مسيرة النضال، بل سخَّر طاقاتِه وثقافَتَه وإمكاناتِه لدعم وتعزيز نضالنا الفلسطيني، فهو صحفيٌ من روَّاد الصحافة الأوائل، وهو رياضيٌ بارز، وشيخٌ بدويٌ، ولد في مضارب بادية بئر السبع، وهو صاحبُ ذوقٍ أدبي رفيع، اعتاد أن يُسعد أهلَ غزة، ويستضيفهم في جمعيته لتقديم الأمسيات الفنية والمسرحيات الثقافية التوعوية، وقت ضائقة الاحتلال والحصار، واعتاد أن يحتضن الأنشطة الرياضية، والمعارض الفنية. والمناسبات الاجتماعية، لقد جعل مقرَّ جمعية الشبان المسيحية، وقت الاحتلال والأزمات ساحةً وطنية فلسطينية نضالية، وخيمةً بدويةً تضمَّ التراثَ الفلسطيني بكافة أشكاله وأنماطه، و بيتا يحفظُ أصالة الانتماء والحضارة،
إن المرحوم، أبا عيسى لم يكن رجلا كبقية الرجال، بل كان مدرسة نضالية، ومعهدا لتخريج أجيالٍ فلسطينية، أرضعها الراحلُ الفقيدُ بجهده وإخلاصه رحيق التسامح،وإكسير المحبة والوفاء والإخلاص