بعد حديث زعيمه حسن نصر الله عن "نصر إلهي" خلال حرب تموز 2006، يخوض حزب الله صراعا جديدا مع الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان بوجه مختلف تماما. وذلك بعد أن ضعفت الحركة الشيعية اللبنانية كثيرا جراء اغتيال نصر الله، والقضاء على كل قيادتها العسكرية تقريبا، واختراق نظام اتصالاتها.
"نريدهم [الجنود الإسرائيليين] أن يدخلوا الأراضي اللبنانية (...) إذا جاؤوا إلينا، فسيجدون منا كل ترحيب، لأن ما يعتبرونه تهديدا، نعتبره نحن فرصة تاريخية"، هكذا قال حسن نصر الله ساخرا خلال خطاب ألقاه في 19 أيلول/سبتمبر الماضي قبل اغتياله. كان ذلك آخر خطاب لزعيم لحزب الله قبل اغتيال الجيش الإسرائيلي له، بعد ذلك بثمانية أيام، في قصف مكثف لمقر الحزب تحت الأرض في الضاحية الجنوبية لبيروت.
يوم الأربعاء 2 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل ثمانية من جنوده في أول مواجهة من القتال العنيف في جنوب لبنان، بعد يوم من إعلان الدولة العبرية عن "غارات برية مكثفة" على القرى الحدودية "ضد الأهداف والبنى التحتية الإرهابية لحزب الله".
وعلى الرغم من أن الحزب الموالي لإيران كان يحلم بهذه المواجهة المباشرة مع إسرائيل عبر فتح الجبهة مع إسرائيل في 8 تشرين أول / أكتوبر 2023 - بقصف شمال البلاد، في معركة "إسناد" لحماس في غزة - فإنه لم يعتقد أنها ستقوده إلى هذه الحالة الحالية من الفوضى بعد اغتيال أمينه العام وزعيمه حسن نصر الله وتصفية جميع أفراد قيادته العسكرية تقريبا. كما أن الانفجارات الأخيرة لأجهزة النداء الآلي "البيجر" التي يستخدمها عناصر حزب الله تشير إلى اختراق إسرائيلي عميق مفترض لمنظومة اتصالات الحزب.
الانتشاء بخطاب "النصر الإلهي"
إن الضغوط العسكرية الإسرائيلية والضربات التي تعرض لها الحزب في الأسابيع الأخيرة تجبره في الحقيقة على العودة -كما في بداية نشأته- إلى "الأساسيات" التي كانت سارية في بداية حقبة الثمانينات، أي الاعتماد فقط على الدعم المالي واللوجستي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبعبارة أخرى، إعادة الحزب إلى الزمن الذي كان فيه مجرد ميليشيا إسلامية محلية متخصصة في الكمائن والعبوات الناسفة المنتشرة على جوانب الطرقات.
"إن إعادة تنظيم الحركة، التي لا تزال تحاول لملمة جراحها، ستستغرق شهورا إن لم يكن سنوات، خاصة وأن إسرائيل تسيطر على طرق إمداداتها من الأسلحة بعد تدمير جزء كبير من ترساناتها ولن تسمح لها بتجميع ترسانة جديدة كما حدث على مدى السنوات العشرين الماضية"، وفق تقدير كريستوف عياد، المراسل البارز لصحيفة لوموند ومؤلف كتاب "الجغرافيا السياسية لحزب الله". ثم يضيف "أعتقد أن حزب الله سيعود إلى شكل أكثر تواضعا من أشكال حرب العصابات".
"حزب الله -بعد فقده جزءا كبيرا من قيادته في الضربات الإسرائيلية ولا سيما الوحدات الخاصة المسؤولة عن الطائرات المسيرة- سيعود مجددا إلى ما كان يجيد فعله بشكل أفضل: حرب عصابات على الأرض، مماثلة لتلك التي شنها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، في الفترة التي احتلت فيها إسرائيل جنوب لبنان، ومماثلة لتلك التي وجد نفسه فيها خلال حرب تموز 2006 ضد إسرائيل ودامت 33 يوما" يقول عياد محللا.
ويوضح كريستوف عياد أن هذه الإستراتيجية لا تتطلب قيادة أو أنظمة اتصالات متطورة للغاية، "إن وحدات حزب الله تتكون من خلايا مستقلة تشمل جميع أشكال المقاتلين داخل مجموعة واحدة". فهم غالبا ما يتألفون من رجال من جنوب لبنان يحفظون عن ظهر قلب التضاريس ومخابئ الأسلحة والأنفاق، وبالتالي فهم قادرون تماما على القتال من مكانهم".
بعد حرب تموز 2006 الدامية، أمضى الجانبان (حزب الله وإسرائيل) العقدين الأخيرين في التحضير لهذه المواجهة الجديدة. لكن هذه المرة، لن يتمكن "حزب الله"، الذي تمرس مقاتلوه على الحرب في سوريا دعما لبشار الأسد، من الاعتماد على عنصر المفاجأة والتأثير اللذين سمحا له بصد الاجتياح الإسرائيلي آنذاك. وهو ما وصفه حسن نصر الله في ذلك الوقت بأنه "نصر إلهي" على عدوه الأبدي.
ويعتقد عياد بأن حزب الله "الذي يعول منذ البداية على أن أي حرب برية قادمة ستكون تكرارا لحرب تموز 2006، قد وقع في فخ خطابه حول "النصر الإلهي"، وأن ما جرى آنذاك سيجري أيضا في قادم الأيام". وغالبا ما تكون هذه مشكلة المنتصرين، مثل فرنسا التي كانت تستعد للحرب في 1939 بذات عقلية الحرب العالمية الأولى 1914-1918: من خلال إنشاء خط ماجينو الذي سيسقط لاحقا".
ووفقا للصحفي، الحائز على جائزة ألبرت لندن في 2004، "فإن الجيش الإسرائيلي قد فشل في 2006، فذلك لأنه اعتقد أن بإمكانه أن يتعامل بفعالية مع مجموعة حرب عصابات صغيرة عبر عملياته العسكرية. ومع ذلك، فإنه وجد نفسه في مواجهة مقاتلين كان من الواضح أنهم أحسنوا التجهز والتدريب. وإذا كان حزب الله قد مني بانتكاسات كبيرة للغاية في 2024، فلأنه اعتقد أنه سيكرر حرب 2006".
"هزيمة مليئة بالعبر"
"ومع ذلك، فإن الإسرائيليين الذين يتمتعون بتفوق عسكري واضح، تعلموا الدرس من فشلهم في 2006، كما يؤكد كريستوف عياد. وقد حضر الجيش بشكل كبير الأرضية عن طريق العمليات الجوية وحملات مكثفة من اختراق منظومات الاتصالات التابعة لحزب الله. ويبدو اليوم أنه يسعى إلى تنفيذ غارات محددة، وليس معركة لاحتلال الأرض، كما كان الحال حتى 2000 [قبل انسحابه من جنوب لبنان أسرة التحرير]، وذلك على الرغم من أحلام اليمين الديني المتطرف الإسرائيلي بضم أجزاء من لبنان".
"ضربات"، كما يحدد عياد، "تهدف إلى تدمير مخابئ الأسلحة وشبكات الأنفاق وربما القرى أيضا، مع التراجع خلف الحدود بمجرد تحقيق الهدف، لتجنب وقوع القوات في كمائن كما حدث في 2006. لذا نشر الجيش الإسرائيلي يوم الإثنين صورا لجنود يفتشون مخابئ أسلحة للحركة الشيعية اكتشفتها قواته، حسب قوله، في قرية حدودية جنوب لبنان.
وإذا كان الجانبان يقولان إنهما يخوضان حربا وجودية ويحلمان بإبادة بعضهما البعض، فإن حزب الله الذي يقاتل من أجل بقائه، "لا يمكن أن يأمل في أي شيء أفضل من حفظ ماء الوجه من خلال إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الإسرائيلي ومنعه من اقتحام الحدود اللبنانية"، كما يعتقد كريستوف عياد.
ويخلص عياد إلى أن هزيمة الحزب الموالي لإيران قد حدثت بالفعل بمقتل حسن نصر الله وجميع القادة العسكريين في الحركة تقريبا. "عندما يقتل القائد الأعلى حتى قبل بدء المعركة، يمكننا بالفعل القول ساعتها إن الهزيمة قد اكتملت، بينما قبل 7 أكتوبر، يجب أن نتذكر أن حزب الله كان يستعد لتوغلات في الأراضي الإسرائيلية لزرع الرعب هناك. بعد عام، بات بعيدًا جدا عن تحقيق ذلك".
المصدر: أ ف ب