حتى المنتصرون في الحرب، لا يحتفلون بالنصر، لأنه لم يتحقق إلا على أشلاء جنودهم ودمار بيوتهم وآلام أمهاتهم وأطفالهم وعذابات مشرديهم ونازحيهم، وهذا هو مضمون الحرب، أية حرب. نقول هذا في الذكرى السنوية الأولى لـ"طوفان الأقصى" وما أعقبها من حرب إبادية على شعب غزة، والآن على شعب لبنان.
بعد مرور سنة على هذه الحرب التي أعد لها أن تكون بضعة أشهر، ولم تنته، بل هناك من يرى أنها لم تبدأ بعد، لا تستطيع إسرائيل القوية بجيشها "الذي لا يقهر" الادعاء أنها انتصرت، حتى بكل هذا الدمار الذي أحدثته في غزة، والذي قد تحدثه في لبنان، ذلك أنها لم تحقق أهدافها في "اجتثاث" حماس وتحرير أسراها. وبالمناسبة، فإنها على ما يبدو قد أسقطت من حساباتها تحقيق أي من الهدفين، ولم يعد حتى ذوو الأسرى يطالبون بعودتهم سالمين، ولا حتى جثامين.
سيكون أيضاً من الصعب على المقاومة ومحورها أن تحتفل بالنصر، فهناك نحو خمسين ألف شخص فقدوا حياتهم، أكثر من نصفهم أبرياء، أطفال ونساء وشيوخ، وعمال إغاثة وأطباء ومعلمون و صحفيون، وهناك أيضاً قادة نوعيون تاريخيون تم استهدافهم واغتيالهم على رأسهم حسن نصر الله. من ذا الذي كان يقبل أن تمر الذكرى السنوية الأولى بدون خطاب لهذا الزعيم؟ حتى لو ضمن الخيال، من كان يتخيل أن تمس مثل هذه الشخصية العالمية، بما تمثل من قيم أخلاقية وإنسانية سامية على يد نتنياهو وبن غفير وسموترتش، بما يمثلون من احتلال وأعمال إبادة وتطهير للفلسطيني فقط لكونه فلسطينياً أو عربياً أو مسلماً، وفق مأثورهم "العربي الجيد هو العربي الميت".
لا يجوز لإسرائيل ولا لغيرها من الدول، أن تكون عضواً في الأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية، التي تمنح حق مقاومة الاحتلال، ثم تنكر هذا الحق على الفلسطيني لأنه يقاوم إسرائيل، ولهذا انتصرت كل شعوب العالم قاطبة لهذا الفلسطيني، من كل الجنسيات وبكل اللغات وكل الديانات والمعتقدات، وهذا بحد ذاته أكبر مقومات الانتصار، انتصار شمولي له بعد أخلاقي ومستقبلي ومستدام. تصعد إسرائيل خطوة على سلم منصة الانتصار إذا أعلنت بطواعية أنها ستعيد من يرغب من اللاجئين الذين هجرتهم غداة "استقلالها" قبل 77 سنة، وأنها ستنهي جريمة احتلالها للشعب الفلسطيني التي ارتكبتها قبل 57 سنة، و أنها ستتوقف عن مخطط الإبادة بحقه الذي ابتدأته في غزة قبل سنة. وبهذا تحقق نصرها على نفسها المسكونة بأمراض نزعات التفوق والشعب المختار والجيش الأكثر أخلاقا في العالم.
أقتبس من مقال لكاتب إسرائيلي في صحيفة يمينية: كل إسرائيلي يتجول وثقب أسود في قلبه منذ عام حتى الآن/ ثلاثة آلام لا تهدأ؛ ألم النزوح من الشمال والجنوب، ألم المختطفين الذين ما زالوا في الأنفاق ، وألم القتل الذي لا يهدأ / كيف لم يروا ؟ كيف لم يعرفوا ؟ كيف لم يفهموا ؟ كيف لم يمنعوا ؟ والأهم من ذلك، كيف لم يخجلوا "، درور رافائيل/ معاريف" .