نقل عن السنوار قوله بما معناه: نحن لا نستشهد لكي نذهب إلى الجنة فحسب، فلو كان الأمر كذلك، كنا سنفعل ما يفعله بقية الناس، نصوم ونصلي ونعبد الله، ونعيش سبعين أو ثمانين سنة، وندخل الجنة. وفي هذا فهم متميز، لم نجده عند غالبية أجيال التاريخ الإسلامية، خصوصاً بعد توريث الحكم منذ معاوية.
أما حسن نصر الله، فكأنه قال شيئاً مغايراً لما قاله السنوار، من التأكيد على الاستشهاد والتركيز عليه لدخول الجنة، حين قال: نحن حين ننتصر ننتصر، وحين نستشهد ننتصر. وهو بذلك يحث على محاربة الظلم والعدوان وانتزاع النصر، حتى الاستشهاد. وقد مثّل السيد هذا الفهم خلال مسيرته الجهادية والكفاحية، نموذجاً متقدماً في النقاء والصدق والإرادة منذ نعومة أظفاره، ونأى بنفسه عن الأحزاب السياسية والدينية الشائعة في المنطقة، متأثراً لربما بمقتلة الحسين في كربلاء، وبدا كما لو أنه مستعد لمقارعة الظلم في كل مكان في العالم، مقترباً بذلك من الثائر الأممي تشي جيفارا،" أينما وجد الظلم فذاك هو وطني"، الوصف الذي أطلقه القيادي الفتحاوي عباس زكي على قاسم سليماني يوم اغتياله قبل أربع سنوات من إنه جيفارا الشرق الأوسط.
صحيح أن نصر الله كان "شيخا" من الطائفة الشيعية، وكان يعتمر عمامتها السوداء، إلا أنه لم يكن طائفياً، بل يحث على محاربتها، وكان يجرّم التكفيريين من أبناء كل طائفة، وكان لا يخفي دعوته إلى التعايش مع الجميع، جميع الطوائف، بل جميع الأديان، وجميع الاجناس، وفقا للنص الإلهي "يا أيها الناس، - ليس المسلمين، ولا حتى المؤمنين – إنا خلقناكم من ذكر و أنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل، لتعارفوا – لا لتتحاربوا – أن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وبهذا رأينا كم اقترب نصر الله من العلمانية، خلال مسيرته السياسية كأمين عام للحزب، ودخوله البرلمان والحكومة اللبنانية تحت قيادة رئيس يدين بالدين المسيحي.
السنوار الذي أصبح رئيساً لحركة حماس، لم يكن شيخاً ذا عمامة بيضاء، فقد خرج من لدن حركة دينية سياسية خلافية واختلافية "الإخوان"، رهنت نفسها في أحضان الملوك والسلاطين، وكانت ترى في نفسها وكيلة لله على الأرض، وأن ليس الدين فقط لله، بل الوطن أيضاً، الذي لا يمكن أن يكون خارج الدين، ووفق منظّر الجماعة سيد قطب، الدين هو الوطن و"الحاكمية لله" وحده .
ومنذ تعاضد المجاهدان، ووضعا يديهما في يدي بعضهما، وقلبيهما في نطاق نبض قلب واحد، وقبل اليدين والقلبين، عقل واحد ينّحي جانبا لون العمامة، وبقية مناحي الموروث الخلافي، أصبحت إسرائيل الصهيونية، لا اليهودية، تعيش أسوأ كوابيسها، ليس طوفان السابع من أكتوبر فحسب، بل سنة كاملة من الكوابيس. من ذا الذي كان يتوقع أن تقصف في عمقها بمئات الصواريخ اليومية، وهي التي كانت لا تحتمل قصفها بحجر، أحضره ممثلها في الأمم المتحدة جلعاد أردان قبل أشهر قليلة من الطوفان، وقال : من منكم يقبل أن يتلقى حجراً كهذا.