بكامل طاقتها، تعمل إسرائيل على تجهيز وضعها الهجومي والدفاعي تمهيداً لشن ضربة قوية ضد إيران، وربما تشمل الضربة استهداف رموز دينية وقيادية ومنشآت حيوية ونووية، وليس هناك من خط أحمر يمنع إسرائيل من القيام بما تجده يخدم مصالحها الاستراتيجية.
أسباب تأجيل الرد على صواريخ إيران مدروسة بالقلم والمسطرة لدى صانع القرار الإسرائيلي الذي يتحضر لتجهيز ودعم منظومته الدفاعية، خصوصاً أن جبهتي الشمال والجنوب في لبنان وغزة استنزفتا كثيراً من مخزون السلاح الإسرائيلي.
حديثاً، أضيف نظام "ثاد" المضاد للصواريخ إلى قائمة منظومات الدفاع الجوي "باتريوت" ومقلاع داوود والقبة الحديدية، والهدف الرئيسي من تمكين القدرة الدفاعية الإسرائيلية يتصل باحتمالات توسع الصراع مع قرب الرد بضرب إيران.
من الناحية الواقعية، تتفوق إسرائيل على إيران في المجال الجوي، وهو المربع الرئيس في الحرب بين البلدين وعنوان للاصطدام المباشر بالنظر إلى البعد الجغرافي، غير أن لدى طهران آلافا من الصواريخ الباليستية وفرط الصوتية التي يمكنها أن تحدث إرباكاً في العمق الإسرائيلي.
بسبب ذلك، طلبت تل أبيب من الإدارة الأميركية إرسال منظومة "ثاد" على وجه السرعة، وإيفاد مئات الجنود الأميركيين لتشغيل هذه المنظومة التي يمكنها اعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى داخل وخارج الغلاف الجوي.
لقد تمكنت إسرائيل بشكل كبير من تحييد "حماس" بشأن إطلاق صواريخ من غزة باتجاه العمق الإسرائيلي، وهي تعمل الآن على محاولة تحييد "حزب الله" وإضعاف قدراته الصاروخية، لأن ذلك سيعني بالنسبة لها التركيز في المواجهة الصاروخية مع إيران وجبهة الحوثي في اليمن.
لو لم يكن لدى إسرائيل منظومات دفاعية بهذا المستوى من التطور، لشهدنا في الحرب الحالية تغيراً مهماً في ميزان القوة ليس في صالح الدولة العبرية، غير أن كل أنواع المنظومات الدفاعية على فعاليتها، فشلت في التصدي لبعض الصواريخ والمُسيرات التي تطلق من اليمن والعراق ولبنان.
إدخال منظومة "ثاد" إلى الخدمة لن يحل المشكلة بالنظر إلى تكتيكات الحرب، بدليل أن هناك صواريخ ومُسيرات لم تتمكن المنظومات الدفاعية من اعتراضها، وأشهرها المُسيرة التي وصلت إلى منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا.
وتعلم القيادة العسكرية الإسرائيلية أن ثمة صواريخ من لبنان وإيران تحديداً تسقط وستسقط داخل العمق الإسرائيلي، لكن الفكرة من وجود "ثاد" تتعلق بتقليل الأثر الصاروخي تحديداً حينما تضرب إسرائيل إيران وتتحسب لرد فعل الأخيرة.
أما بالنسبة للضربة الإسرائيلية، فيبدو أنها ستكون واسعة النطاق استناداً إلى لغات التهديد الصادرة عن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، إذ هدد نتنياهو بضربة قوية لإيران و"حزب الله" خصوصاً بعد محاولة استهدافه، وأما يوآف غالانت وزير الدفاع فقد وافق مع رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي على تفاصيل توجيه ضربة قاسية لطهران.
لا أحد يعلم بنك الأهداف الإسرائيلية ضد المواقع الإيرانية ويتضح أن البطء في توجيه الضربة مرتبط باعتبارات استخباراتية تتعلق بالوصول إلى أماكن إيرانية حسّاسة، ومن غير المستبعد أن يجري استهداف المرشد الأعلى أو الرئيس الإيراني.
كذلك قد تكون المنشآت الحيوية والنووية الإيرانية على قائمة بنك الأهداف الإسرائيلية، لكن الأهم من ذلك أن تل أبيب تريد تجريد إيران من قدراتها الصاروخية والعسكرية. بمعنى أن إسرائيل ستعمل على استهداف منصات الصواريخ الإيرانية ومستودعات الصواريخ الباليستية حتى تمنع الأخيرة من الرد الفاعل.
إسرائيل التي تآكلت صورتها العسكرية والأمنية في قطاع غزة بعد طوفان الأقصى، ستحاول استعادة القوة والهيبة التي راكمت فيها طوال سنوات الحروب التي حققت فيها إنجازات عسكرية ضد العرب، ما يترجم الاستخدام المفرط للقوة في غزة ولبنان.
ويبدو أنها ستضع كل ثقلها في الرد القاسي والآتي لا محالة على إيران، حتى تقول للعالم إنها ستخرج من هذه الحروب منتصرة، لكنْ بين ما تتمناه إسرائيل والواقع أمر مختلف، إذ من الصعب الحديث عن مرحلة انتصار طالما أنها لم تحقق أهدافها المرجوة.
بالعودة إلى منظومة "ثاد"، يمكن القول، إنها ستسهم في تجنب سقوط عدد من الصواريخ، لكنها لن تحقق الردع المطلوب ولن تجلب الانتصار لإسرائيل التي تخسر يوماً بعد يوم مع كل فترة إطالة للحرب، لأنها سوف لن تكون قادرة على تحمل تكاليف باهظة خصوصاً على صعيدي عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني.