سنة كاملة ووسائل الاعلام الامريكية والإسرائيلية ووسائل الاعلام "المتأمركة" و"المتأسرلة" تصدّع رؤوسنا بانتخابات أمريكا، وسنة بعدها تنفخ ادمغتنا عن ماذا فعلت وماذا لم تفعل القيادة الامريكية التي انتخبت؟ وفي السنة التي تليها تبدأ وسائل الاعلام تجهز لبث الحملة الانتخابية القادمة.
تمر انتخابات روسيا وانتخابات الصين وانتخابات البرازيل وفنزويلا وايران وتركيا وجميع بلدان العالم بصمت نسبي مقارنة مع الازعاج الكثير والفارغ الذي تسببه للمشاهد العربي انتخابات أمريكا، حتى ان الأمريكيين لا يهتمون بانتخاباتهم بقدر ما تهتم قصور العرب بها !
والاغرب من ذلك ان النتيجة متوقعة كل مرة. فهناك حزبان فقط يفوزان بهذه الانتخابات وهما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. اما أي مرشح ثالث فإما ان يكون يهوديا تقدميا ويسقط، او رجل اعمال امريكي مغفل وابيض ويسقط .
وفي كل مرة ينتظر العرب المفاجأة، ولا يوجد مفاجأة أصلا . فكلا الحزبين صهيوني بامتياز ولا يلتزم بحقوق الانسان ولا يحترم إرادة الشعوب الأخرى ولا الشرعية الدولية ولا قرارات مجلس الامن والأمم المتحدة !!
ومن كثرة اهتمام الاعلام العربي بانتخابات أمريكا صار المواطن العربي يعتقد انه يجب ان يختار واحدا من بين المرشحين، بل ان المذيعين والمذيعات يسألون الضيوف في الاستوديو : هل انت تؤيد ترامب ام كاملا هاريس !!
وبعد ان تنتهي الانتخابات الامريكية، تطل علينا الانتخابات الإسرائيلية والتنافس بين الأحزاب الصهيونية المارقة على القانون الدولي والشرعية الدولية والأعراف الإنسانية، فتبدأ وسائل الاعلام العربية وخصوصا جماعة التطبيع وديانة الخواجا افراهام الجديد، تصدّع رؤوسنا مرة أخرى اذا كان الجمهور يرغب في نتانياهو ممثل الاستعمار وجرائم الحرب في العصر الحديث ام يؤيد جانتس جنرال الغفلة الذي يستحق لقب "شاهد الزور" في كل المعادلة القائمة ؟
بدلا من متابعة كيف ينتخب الغزاة قياداتهم. ليسعى الاعلام العربي الى تخفيف "صناعة التفاهة" (على الأقل تخفيف وليس توقف) ويسأل حكامه: متى نشهد انتخابات في بلداننا نحن ؟
أيام وتمر انتخابات أمريكا، ويفرح من يفرح ويترح من يترح. ولكن الصحافة سوف تبقى جزء هام من العلوم الإنسانية ونسق من انساق علم الاجتماع الحضاري، الذي يولي قضايا الامة والشعوب حقها ، وليس ان يدّعي الغفلة بدافع الترفيه .
للعلم نحن نحب الترفيه اكثر منهم بكثير، ونوفر لأطفالنا ما استطعنا من اللهو والسعادة الحقيقية من دون شذوذ او خيانة للامة وللدين، ونخاف الله اكثر مما يخافون امريكا .