الضغط داخل الجمجمة، الذي يعيشه مؤخرا الكثير من الاسرائيليين بسبب ما يقوم به المسؤولون عن التعليم والثقافة،يجب ألا يقلقهم. هذه ظاهرة معروفة عند الأمم التي تعيش الثورة، لا سيما الثورات الثقافية. في البداية يسود شعور وكأنها نهاية العالم، او على الأقل انهيار النظام العالمي. بعد ذلك تستيقظ بعض الاحتجاجات ويستقيل بعض رفيعي المستوى ويُقال البعض الآخر. لكن في نهاية المطاف يتم التعود ويفضل فعل ذلك بسرعة من اجل تقليل المعاناة.
ما الذي حدث عمليا في الاسابيع الاخيرة؟ ستة من اعضاء مجلس التعليم العالي استقالوا بسبب قرارات وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، التي تضر حسب رأيهم باستقلالية هذا الجهاز. وزيرة الثقافة، ميري ريغف، تخطط لقوانين رقابة تسمى على اسمها، كتاب تربية وطنية يشوه مفهوم الديمقراطية عند الطلاب الساذجين. اضافة الى تجديد لامع من وزير التربية والتعليم حيث يستطيع ازالة عروض من سلة الثقافة بسبب «مضامين جنسية، تشجيع العنف، عنصرية، تحريض على الارهاب أو المس بأسس دولة اسرائيل».
هل تسمون هذا ثورة ثقافية؟ الثورة الثقافية في ايران مثلا أدت الى اغلاق جامعات لمدة ثلاث سنوات وطرد آلاف المحاضرين والغاء مواد تعليمية كثيرة اعتبرت ذات توجهات غربية واتلاف كتب تعليمية «تلحق الضرر بروح الثورة». السينما الايرانية التي حصلت على الاذن للاستمرار في العمل لكونها «أداة لتعليم الجمهور» تحولت الى سينما حكومية وحصلت على ميزانيات ضخمة ومهرجان سنوي للافلام بتمويل النظام.
صحيح أن ملايين الايرانيين تركوا وطنهم بسبب القمع الثقافي والسياسي. لكن كثيراً من الملايين بقوا في الدولة والكثيرين منهم ما زالوا يشاركون في احتفالات «الموت لاميركا». صحيح أن المثقفين الايرانيين حاولوا الاحتجاج ضد الخنق الثقافي والتعليمي، لكن بعد موجة من التصفيات لاولئك المتمردين، عاد الهدوء النسبي للدولة. يتعودون.
في مصر ايضا يتعودون. في البداية كان هذا نظام جمال عبد الناصر الذي غيّر الكتب التعليمية بعد ثورة الضباط التي طردت الملك فاروق. وبعد ذلك جاءت السيطرة على وسائل الاعلام وعلى البرامج التعليمية في الجامعات والمدارس. وقد وضعت قوانين على نشر الكتب وأوامر صارمة على كتابة النصوص. ووضعت قائمة سوداء للكتب التي يمنع نشرها أو تعليمها خشية الحاق الضرر باسم الدولة الجيد.
الثورة الثقافية الاسرائيلية لم تغلق بعد أي جامعة ولم تلغِ صلاحيات محكمة العدل العليا والدورات «الخطيرة» تستمر في المؤسسات التعليمية. قياسا بالخطوات في ايران ومصر والصين ودول اخرى فان الثورة الثيوقراطية القومية في اسرائيل يمكن اعتبارها ثورة هزيلة حتى لا تتسبب بالتشويه والردود الدراماتيكية، وهي تنجح. كم من رؤساء الجامعات استقالوا؟ كم من الممثلين أعلنوا أنهم لن يتعاونوا مع حملة الرقابة؟ وكم من طلاب الثانوية خرجوا في احتجاج على كتاب التربية الوطنية الجديد؟ عمليا الكتاب القديم ايضا لم يحفظوه عن ظهر قلب.
الامر المميز في هذه الثورة هو أنها ستنجح في التخفي كثورة قومية وطنية، وأن كل مواطن جيد يجب أن يتجند للمساهمة في نجاحها. إنها ثورة ذكية مليئة بالخداع، وهي تستند الى حرس الثورة المطيعين «العقلانيين»، بل وليبراليين أيضا، مثل اولئك الذين بسبب لامبالاتهم وتعودهم يغذون الثورة. إنهم على يقين أننا لسنا ايران ولن نكون مثل مصر أو تركيا، ولن نفاجأ في يوم من الايام باعدام المثقفين واحراق الكتب. لن تكون ثمة حاجة الى ذلك. عندنا يسيرون بأدب مع الثورة ويؤدون لها التحية باعتزاز.