الاستيطان والاحتلال والفكر البراغماتي

image_processing20241103-43641-oz6fh9.webp
حجم الخط

بقلم د. دلال صائب عريقات

منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1967، أصبح الاستيطان عنوانًا بارزًا لسياسات الاحتلال التي تهدف إلى فرض الأمر الواقع، وخلق وقائع جديدة على الأرض. الاستيطان ليس مجرد توسع عمراني، بل هو استراتيجية سياسية تهدف إلى مصادرة الأراضي وتطهير عرقي للسكان، تقويض حقوق الفلسطينيين، وتشتيت حلمهم في إقامة دولة مستقلة. هذه السياسات، المدعومة بمنظومة قوانين عسكرية قمعية، تشكل تهديدًا وجوديًا للفلسطينيين وترسخ الاحتلال كنظام دائم في إسرائيل الكبرى.

تتجاوز خطورة الاستيطان حدوده الجغرافية، فهو جزء من منظومة تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي والسياسي للأراضي الفلسطينية. منذ الأيام الأولى للاحتلال، عملت إسرائيل على تدمير النظام القضائي الفلسطيني، وفرضت إدارة عسكرية تنظم كافة جوانب الحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي بداية الثمانينيات، أنشأت "الإدارة المدنية"، لكنها كانت غطاءً لتعزيز السيطرة العسكرية الإسرائيلية، فسعت لتقييد الحقوق وإضعاف الصمود، وأدارت الشؤون الفلسطينية من خلال الأوامر العسكرية.

ومع تصاعد اليمين الإسرائيلي، وتشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة في عام 2022، دخلت سياسات الاستيطان مرحلة جديدة من العدوانية، كما أن نتنياهو كلف المستوطنين المتطرفين بملف الإدارة المدنية الواضحة في هدفها لضم الضفة ولتحقيق "إسرائيل الكبرى". الائتلاف الحكومي الذي يضم شخصيات متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، عمل على تسريع خطط توسع المستوطنات، وشرعنة البؤر الاستيطانية، وتسليح المستوطنين وحمايتهم وفرض مزيد من القيود على الفلسطينيين. هذه السياسات لم تقتصر على الاستيلاء على الأرض، بل شملت الإخلاء القسري للفلسطينيين، هدم منازلهم، وفرض قيود مشددة على حركتهم اليومية، إضافة لقوانين الإرهاب التي سنها الكنيسيت لتجريم أي عمل مقاوم أو ناقد للاحتلال.

في ظل هذا الواقع، تبرز نماذج للمقاومة الفلسطينية والصمود في وجه الاحتلال. في المخيمات، التي تحمل تاريخًا طويلًا من النضال، ورغم محاولات الاحتلال المستمرة لتفكيك بنيتها الاجتماعية وتدمير روح المقاومة فيها، استطاعت أن تجمع بين المقاومة المسلحة والعمل الشعبي، مما جعلها نموذجًا بأن الشعب الفلسطيني، رغم كل التحديات، قادر على الصمود والوحدة والعمل من أجل البقاء. وسط تحديات الصراع على البقاء، يظل تحدي غزة تحت الإبادة المستمرة، بحجة تدمير المقاومة التي ربطتها بـ "الإرهاب"  عمل الاحتلال على تدمير كل ما هو إنساني وأزال أسباب الحياة لا بل وحول غزة لملف انساني . 

في ظل هذه الأوضاع، برز الفكر البراغماتي كجزء من الاستراتيجية الفلسطينية لمواجهة الواقع المتغير. مع وصول إدارة دونالد ترامب إلى الحكم، والتي فرضت حقائق مخالفة للقانون، غير آبهة بالحقوق الفلسطينية، وتبنت سياسات داعمة بشكل علني وغير قانوني لإسرائيل، أصبح من الضروري تبني نهج جديد يقوم على التكيف مع المتغيرات الدولية، والتعلم من تجارب الماضي ولتشكيل توازن سياسي أمام الانحياز الأمريكي لإسرائيل لا بد من البراغماتية الفلسطينية التي لا تعني تنازلًا عن الحقوق الوطنية، بل وسيلة لإعادة ترتيب الأولويات وتكييف الاستراتيجيات لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في ظل ظروف معقدة من خلال البناء على شبكة علاقات ومعادلات عربية إقليمية، وركيزتها الوزن السعودي والخليجي.

الاستيطان الإسرائيلي لا يشكل خطرًا على الفلسطينيين فحسب، بل يهدد أيضًا استقرار المنطقة بأسرها. فهو يقوض أية فرصة لتحقيق السلام العادل، ويعمق الصراع المستمر. ومع ذلك، فإن تصاعد الإدانات الدولية، ووصف إسرائيل كنظام فصل عنصري يعكس تحولًا متزايدًا في الرأي العام العالمي. هذا الدعم المتنامي للقضية الفلسطينية والفكر البراغماتي بالانفتاح بعلاقات دبلوماسية، يفتح الباب أمام فرص جديدة لمواجهة الاستيطان والاحتلال، لكنه يتطلب جهدًا فلسطينيًا موحدًا يستند إلى رؤية استراتيجية وشاملة.

بين الاستيطان والاحتلال والفكر البراغماتي، يقف الفلسطينيون أمام تحدٍ وجودي يتطلب صمودًا شعبيًا ووحدة وطنية ودبلوماسية نشطة. ورغم سياسات التهجير والاستيطان والاحتلال المستمرة، يظل الفلسطينيون متمسكين بحقوقهم المشروعة، مدفوعين بإيمانهم بعدالة قضيتهم وإصرارهم على تحقيق الحرية والاستقلال. أما استمرار تعنت اليمين المتطرف بهذه السياسات العنصرية، فهو تجسيد لفكرة حل الدولة. من ناحية جغرافية فإن الاستيطان ضم الأرض عملياً، ولم يبق على أي حيز جغرافي لدولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، وهنا أقول إن الاستيطان واليمين المتطرف يذهبون لسيناريو الانهيار الذاتي.