دمشق التي تضبط ساعتها الفضائية على توقيت موسكو ترحب بالجيش الروسي الأحمر الذي يمارس عادة التفقيس على طريقة الكابوريا الحمراء، التي تغزو الساحل ببيضها، فهل اكتمل القمر الدمشقي حتى تحول إلى ساعة زمنية في يد الغزاة؟
يبدو الوضع أفضل بكثير في «الميادين»، التي لم تضبط ساعتها على مواعيد فيلق الفرسان الساساني، لأن القدس لم تزل بالنسبة إليها بوصلتها الزمنية الأم، في حين أن «الجزيرة» تتخذ وضعية الصلاة وهي توجه قمرها الفضائي للقبلة في مكة، بينما ترى «العربية»، وقد خرجت من حرب بيولوجية تخلصت فيها من لسانها العربي المبين، حتى التبست عليك شيفراتها الجغرافية لتبحث عن «KSA» في ألاسكا، إحدى ولايات إقليم المحيط الهادي بدلا من صحراء الربع الخالي، مما يقدم دليلا دامغا على سياسة المستعمر الأمريكي بحظر اللغة الأصلية التي بدأت مع قبائل الهنود وانتهت مع إقليم الصحن الفضائي لـ»العربية»، فلم يتبق لها من ريحة أجدادها الحمر سوى رقصة الأشباح الإخبارية! فعلى أي الساعات ستضبط زمنك أيها العربي بعد هذا الاستعراض الإعلامي للعقارب الميكانيكية في قلعة التفقيس العربية !
عش الدبابير
في حلقة «الفالنتين»، بدأ القذف الإعلامي الناعم ضد السيسي والشعب معا، شيء أشبه بالأرجحة فوق صراط أعرج، فعمرو أديب كان «يطخطخ» في كل الاتجاهات ويضرب في المليان مرة على الشعب ومرة على الحاكم، ثم وبفتلة عصب واحدة يقلب المزاج ليناغي الرئيس في الوقت ذاته، الذي يطبطب فيه على قفا الغلابة، وهي سياسة يتناقلها هؤلاء بالزمالة، فمن سمع عكاشة في سهرة الأربعاء وهو يدشن آخر نبوءاته ويقرأ ودع الفلك عن حرب تبدأ بعد ستة عشر أسبوعا كحد أقصى من ليبيا إلى تركيا ويعلن اختفاء السعودية من الخريطة في العام المقبل، وحل المشكلة الفلسطينية حسب تعبيره، يدرك أن هواية القفز بأقدام مطاطية هي ختم المهنة النطاطة، فهو مرة طبيب بأجر، ومرة محلل سياسي، ومرة نائب برلماني، ولكنك تجده في أبهى حالاته وهو يخطب خطب الوداع بهيبة رجل دين أو داعية لتمويل قناة فراعينه في ليلة العشاء الأخير، متماهيا مع إبراهيم عيسى، الذي تعلم من الفلقة الأولى «ثورة يناير» فنصب أرجوحة زمبركية في الحديقة الخلفية للاستديو يتمايل بها ذات اليمين وذات الشمال كمن يتخبطه الإعلام من المس ليغرس مشرطه كالدبور الجراح في جسد ضحيته ويدمرها بالتفقيس، ويلي عليك أيها السيسي لقد سمنوك ليأكلوك، فهل غدرتك ثقتك بمن غدروا بكرامتهم قبل أن يغدروك؟
مملكة السواد
ما الذي يحدث بالضبط؟ من يمسك بخيوط اللعبة؟ ممن يتلقى هؤلاء الأوامر حتى يهبوا هبة بهلوان واحد وبفم واحد يتبرأون من ربهم الذي كانوا يعبدون؟ من تابع الأبراشي محتجا على الشرطة وحادثة اختطاف ضيوفه وحبسهم وتلفيق التهم لهم قبل وصولهم للاستديو، واعتراضه على ثقافة البولسة ودولة التحريات، بعد الإعتداء على الأطباء وفضيحة الطفل أحمد منصور شرارة، يظن أنه يتابع حلقة من حلقات إعلان التوبة وخلع الجلود وتبديل الوجوه والأقنعة بعد إسقاط الفرعون الطيار، ويا للهول علي ما جرى يوم السبت في حلقة التتويج الكبرى لعمرو أديب وهو يعطي درسا خصوصيا للسيسي على الهواء، ويضرب «عاد» بـ«ثمود» فيرقص كعادته مع القرود، مستعرضا مظاهرة أهالي «الدرب الأحمر»، وواصفا الغضب الشعبي بالغضب النبيل، بعد أن شرشح المصريين في حلقة «الفالنتين» واتهمهم بأنهم «بيجروا الريس لورا، ومش عايزين يشتغلوا، وعايزين يقبضوا ثمن ثورة يونيو، شعب شقاق ونفاق لدولة فاشلة، «الشرطة حتدفعنا تمن واجبها بالدفاع عنا تقوم تقتلنا، شعب يصدق الكداب ويحتفل بالنصاب، بيولع الفيس عشان بيضة المنيا كإنو كان مستنيها عشان يعرف قدرة ربنا»، فسبحان مغير القرود بين ليلة وضحاها، لقد تحول عمّو أديب إلى الأم تيريزا، في يوم الفالنتين المفترج، ورفض شعارات تفخيم الذات المصرية والأغاني الوطنية الفشنك، لا بل رفض نظرية المؤامرة الإخوانية قائلا: (لقد فعلنا بأنفسنا أكثر مما كان الإخوان يحلمون بفعله بنا، وأنا مش قطري ولا تركي أنا بقلكو مصر تسير للهاوية والسفينة ستغرق ولسه فيه أمل برضو) ؟
إنهم يتشقلبون ويتبخترون في بلاد العميان التي تسمي الأعور كحيل العين وتمنحه لقب حمورابي البرلمان مرتضى الزملكان، فمرحبا بكم إذن، أنتم في مملكة السواد !
صحوة موت أم ثورة فساد
(لو كان الرئيس يحترم الشعب يجب ألا يهينه بالسكوت عن المفسدين… فاكرين الوشوش ده… شعب لسه بيحبك، بيبعتلك رسالة مستني إيه؟ مشلكة الإيطالي حتتكشف بقلولك اللي قتل رجال أمن وإنت ساكت، شايل الشيلة ليه؟
أديب يعلنها صراحة أنه يرى اتجاه المنحنى، فالمسألة إذن تحين فرص للنجاة بقشرة البيضة أو جلدها، وليس ضميرا وطنيا، أو سكرات الخاتمة أو صحوة موت، فحتى اعتراض أديب على تجرؤ منسق أمناء الشرطة على تحدي الريس، وتحذيره من «حاميها حراميها» واستنكار الحكم ضد الكاتب أحمد ناجي لخدش الحياء وإطلاق سراح الشرطي المتحرش والإنذار بمواجهة مدمرة بين الشرطة والشعب، ليس من قبيل درء الخطر عن البلد، لأن المواجهة الحقيقية لا بد أن يأخذ فيها الجيش زمام المبادرة وينظف الجهاز الأمني من الفلول والخلايا المتعفنة !
حرب توسيخ الأعراض والبلطجة بين مرتضى منصور وأديب، خير دليل على أن منطق القوة والتباهي بالظهور المسنودة بغربان المطاوي البوليسية حاجة ملحة لا يتخلى عنها هؤلاء بل يعززون بها وجودهم ومركز جبروتهم الإعلامي، وفسادهم المهني، مما يوحد خطابهم ضد السيسي مع خطاب الحيتان الكبيرة التي تتحداه، وهنا تتضح الصورة أكثر، إنها ثورة فساد واستعراض عضلات، وتصفية حسابات.
وكلاء الحرب الأهلية
كان وجه ذلك الشاب صاحب الـ27 ربيعا أقرب إلى الوجه الصبياني لولد لم يشب عن الطوق بعد، ولكنه في حقيقة الأمر الأحق بين كل الجماهير المحتشدة ليكون شاهد عيان على خطاب الرئيس التاريخي حسب الـ«غارديان» البريطانية، فمن هو؟
إنه الذي وصفه أوباما بقارئ أفكاره، Jon Favreau الذي يتقاسم حصة الشرف مع James Fallows لأنهما كتبة أهم خطابين تاريخيين أدخلا كارتر وأوباما التاريخ، فلماذا إذن أطاحت شلة الأنس الإعلامية بباسم يوسف؟ لا تظن بهم خيرا أيها المشاهد ويهيأ إليك أنهم يملكون مفاتيح المجد للسيسي فشتان بينهم وبين Favreau وFallows، وفي أحسن أحوالهم ليسوا أكثر من صورة مشوهة عن وكلاء الكونفدرالية في عهد أبراهام لينكولن .. وسلام مربع لباسم يوسف، الذي يحق له وبكل فخر أن يرتدي وجه لوحة «نوم» لسلفادور دالي، الذي تكاد تسمع شخيره صادحا يعلو على صوت الزعيق والردحنة، وتشمير الأكمام والألسنة!
حصانة الكلاب
من هو الذي يريد إسكات عمرو أديب ليبعث له كلبا مسعورا «يهوهو« في وجهه، كما قال في حلقته التي خصصها للرد على هجوم مرتضى عليه، والحصول على تواقيع مزورة من أعضاء البرلمان لإيقاف برنامج أديب؟ ثم كيف يتجرأ مرتضى على إشهار قائمة مزورة لأعضاء البرلمان دون أن يتجرأ أحد منهم على محاكمته وفضحه والمطالبة بمحاسبته قانونيا بل والدعوة لتنحيته عن منصبه البرلماني وسحب الحصانة منه لأنه غير مؤتمن على أي منها؟
لماذا يخافونه وينافقون إليه ويرتجفون منه كما استنكر أديب نفسه وكشف عن تزييف أكبر بلقب المستشار، فيا حلاوة الحصانة التي ترى فيها الشبشب والقبقاب بقيا صحابا !
أرحام الخنافس !
من يتابع أديب في حلقة الفالنتين يظن أنه هجر الأميرة النائمة في مضجعها الفضائي، لأنه بصراحة ما خلاش، فقد أعلن ثورة رجالية ضد الزوجات اللواتي يتخذن من عيد الحب «كوبري» لجيبة الزوج، وحذر الرجال من الأغراض التجارية والربحية البحتة وراء هذه المناسبات الكاذبة، ثم تهجم على الأمهات اللواتي يتذرعن بالحمل والولادة ليحظين يمزيد من الرعاية ومراعاة إهمالهن لأنفسهن، وصرخ هاتفا: «وإيه يعني، أنا كمان حامل».
جرى إيه يا جدعان؟ الراجل بيقلك إنو حامل، فيه إيه!؟
بصراحة أتعاطف مع الرجال، لأن حملهم حسب نظرية عمرو أديب ليس كاذبا بل هو حمل انتحاري على طريقة «الخنافس الحمراء» التي تؤوي بيضها ليفقس في أحشائها، إذا ما أخذت بعين الاعتبار ما قاله مرتضى منصور عن السيدة حرمه، التي لا تشتري سوى الألماس واللؤلؤ من ريع الجمعية الإعلامية التي يترأسها زوجها ليربت على معدات المستضعفين الخاوية! عجبي يا زمن أبله جواهر وعمو ياقوت !
٭ كاتبة وأديبة فلسطينية تقيم في لندن