احفظوا للمخيم هيبته وعزته وللدم الفلسطيني حرمته

nTx3Z.jpg
حجم الخط

بقلم راسم عبيدات

لعل الجميع منا يدرك حجم وطبيعة المخاطر المحدقة بقضيتنا الفلسطينية، التي يراد شطبها بشكل نهائي، ليس من قبل دولة الاحتلال، بل من قبل أمريكا وقوى الغرب الاستعماري، وبتواطؤ بعض الأطراف الإقليمية والعربية، وحجم التآمر على شعبنا وقضيتنا، وما يتعرض له هذا الشعب من إبادة جماعية وتطهير عرقي، يتطلب منا أن نكون في أعلى درجات الوحدة والتكاتف والتضامن، ولعل شلال الدم الفلسطيني غير المتوقف والمترافق مع عمليات الضم والتهويد وزرع الضفة بمليون مستوطن وبعشرات المستوطنات الجديدة لإقامة ما يعرف بدولة "يهودا والسامرة"، وكذلك التشريعات والقوانين العنصرية المتلاحقة التي يجري التصديق عليها، وإقرارها في الكنيست الإسرائيلي، ومنها رفض إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، ووضع شروط تعجيزية لشطب مثل هذا القرار بموافقة 80 عضو كنيست على شطبه، وكذلك التصريحات التي تصدر عن وزراء إسرائيليين بأنه لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، وهذا اختراع عمره أقل من مئة عام، يجعلنا نعي وندرك حجم وخطورة ما يحاك بحق شعبنا وقضيتنا، وهذا يقول للجميع، كفوا عن مناكفاتكم وخلافاتكم الداخلية والتحريض والتحريض المضاد والعبث بالجبهة الداخلية.

مهما تكن خلافاتنا وطبيعتها، فيجب حلها في إطار وطني جامع، بعيداً عن استخدام السلاح، أو دفع الأمور إلى اقتتال داخلي مدمر، يخسر فيه الجميع، فالرابح خاسر، ومن يربح هو من يقود مشاريع تصفية قضيتنا وطرد وتهجير شعبنا، ولذلك المسؤولية الوطنية تقتضي من الجميع مجابهة المشاريع والمخططات التي تستهدف قضيتنا وكل مظاهر وتجليات وجودنا، وعلينا أن نكون واعين لطبيعة تلك المخططات والمشاريع، فهي تستهدفنا جميعاً، ولن ينجو منها أحد، ومن يعتقد بأن حماية الوجود والمشروع الوطني، تتأتى من خلال  السعي إلى زيادة التنسيق الأمني مع إسرائيل، أو الرهان على أن أمريكا في يوم من الأيام ستعطي شعبنا دولة فلسطينية، فهو يعيش في غيبوبة سياسية وانفصال عن الواقع، أو أنه يرى بانخراطه في المشاركة في المشاريع الأمريكية، يستطيع أن يحمي مصالحه ووجوده، فهو أيضاً واهم، فإسرائيل وأمريكا، ما يهمهما هو مصالحهما في المنطقة، وأن لا تكون في المحيط العربي، أية دولة أو حركة وطنية أو مقاومة قادرة على تهديد أمن إسرائيل ووجودها، وما جرى في سوريا، وما سيكون له من تداعيات، على المنطقة والإقليم، يجب أن يكون ضوءاً أحمر أمام الجميع، فالخطر جدي وداهم على المنطقة والإقليم، وأما المتبجحون بأنهم يغيرون وجه الشرق الأوسط، لا يرون فينا لا شعباً ولا حقوقاً، ولذلك، فإن الحملة العسكرية التي تشن على مخيم جنين، تحت حجج وذرائع ملاحقة واعتقال الخارجين عن القانون، أو أن من هم داخل المخيم لديهم أجندات وارتباطات خارجية، تضر بالمشروع الوطني  وتنغص على السكان حياتهم الطبيعية، فهم يعلمون جيداً، أن الهجمة على شعبنا في الضفة الغربية مستمرة ومتواصلة وبلا توقف، استيطان وضم وتهويد وعدوان لا يتوقف من المستوطنين على طول وعرض الضفة الغربية، وجنين ومخيمها كانت دوماً في قلب المدافعين والمتصدين للمشاريع والمخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والمخيم كان دوماً في كل المحطات يدفع الثمن الأكبر شهداء وجرحى وأسرى وتدمير وتجريف لبناه التحتية، والخسائر الاقتصادية، ولدور المخيم النضالي والكفاحي، اطلق عليه الرئيس الراحل أبو عمار "جنين غراد".

السلطة الفلسطينية عليها أن تدرك بأنها خاسرة على كل الأوجه، وهي أدخلت نفسها في كارثة وطنية، ففشلها في تنفيذ إنجاز الدور الأمني المنوط بها، يعني أنها تفقد مبرر وجودها، وإن نجحت في حملتها على المخيم، فهي تفقد الدور الوطني المأمول منها من قبل جماهير شعبنا الفلسطيني، وحيادها السلبي انتهى بإطلاقها أول رصاصة أصابتها في مقتل.

ومن هنا لا يمكن لأي عاقل فلسطيني، أن يتغافل أو ينأى بنفسه عما حصل في مخيم جنين، فهذا سيكون له تداعيات وارتدادات كبيرة على شعبنا في جوانبها السلبية، والتي تدفع بنا إلى المجهول والمتاهات التي لا نستطيع الخروج منها، وستشكل ربحاً صافياً للاحتلال، ولذلك الآن الآن وليس غداً، يجب أن يقف ويتداعى الجميع قوى وأحزاباً وفصائل ومؤسسات وجماهير شعبية وشخصيات وطنية ودينية واعتبارية من أجل وأد الفتنة في مخيم جنين، التي يراد منها إحراق الأخضر واليابس، وإذا كانت هناك أخطاء ومظاهر سلبية، أو تصرفات فردية، فهذه مطلوب معالجتها في إطار وطني شامل، وسيادة القانون يجب ان تطبق على الجميع، وليس بشكل انتقائي، وهؤلاء الشبان دوافعهم وانتماؤهم وطنية، وجزء مهم من النسيج الاجتماعي الفلسطيني، ولذلك بدل تفكيك النسيجين الوطني والمجتمعي، يجب حمايتهما بسياج سميك، لكي لا ينفذ منها المتربصون بشعبنا وقضيتنا، ومن لهم مصالح وأجندات، هدفها كسر إرادة شعبنا وتحطيم معنوياته، ونشر الفوضى والخراب في صفوفه.

قلنا ونقول إن الجميع خاسر  في هذه المعركة، فالرابح خسران، ولذلك في ظل الحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال على شعبنا في الضفة الغربية، حيث تجري عمليات اقتحام يومية لمخيمات ومدن وقرى طولكرم وطوباس وقلقيلية ونابلس، ومخيم طولكرم ونور شمس وبلاطة وعسكر والعين والجلزون والأمعري والدهيشة والفوار والعروب وقلنديا ومخيم شعفاط وغيرها من المخيمات، وبالتالي ماذا سيقول الشعب الفلسطيني، عندما يرى الجيش الإسرائيلي يواصل استباحة تلك المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية؟ وبدلاً من أن تقوم السلطة بدورها وواجبها في توفير الأمن والحماية لشعبنا من جيش الإحتلال والمستوطنين، في وقت تشن فيه السلطة وأجهزة أمنها عملية عسكرية على مخيم جنين، متذرعة باستهداف من تسميهم بالخارجين عن القانون، أليس هذا يضع السلطة في موقع التساؤل من قبل شعبنا، ولماذا يجري استهداف مخيم جنين بالذات وفي هذه الفترة؟ والجميع يدركأن مخيم جنين، أحد أبرز العناوين للشعب الفلسطيني وقضيته، ودائماً كان في قلب الحدث والمواجهة، وهو من دفع الثمن الأكبر شهداء وجرحى وأسرى، ولم يتخل عن دوره الوطني والنضالي في يوم من الأيام، ولذلك معالجة أية إشكاليات أو سلبيات وأخطاء، تكون عبر حوارات ولقاءات مباشرة، وليس عبر الانفعالية والتشنج وردات الفعل، وفتح المجال، للمتصيدين لصب الزيت على النار.

ومن هنا نقول احفظوا للمخيم هيبته وعزته، واحفظوا للدم الفلسطيني حرمته، لا تأخذونا الى المجهول والمعارك الداخلية المدمرة، في وقت تشن حرب شاملة على شعبنا، لا تستثني أحداً من شعبنا، فإسرائيل تقول إن كل فلسطيني هو "إرهابي"، ما لم يثبت العكس، ولذلك هي لا تستثني أحداً باستهدافاتها.