ستدخل الهدنة، ووقف إطلاق النار، منتصف هذه الليلة، ويستثنى منها "داعش" و"النصرة" .. على ان تلتزم بها، السلطة السورية والمعارضة، وروسيا وتركيا والولايات المتحدة .. هنالك تداخل ما بين قوات المعارضة و"النصرة" و"داعش" .. وهناك اعتبارات للجيش السوري الرسمي ولروسيا وحزب الله، في تصنيف القوى المقاتلة على الأرض السورية، سيراقب وقف النار والهدنة، مراصد روسية منصوبة شمال اللاذقية، إضافة لأقمار صناعية متطورة.
من يعرف الخارطة السورية، بما تتضمنه من تداخلات ميدانية، يدرك بأن عمر الهدنة، إن كان لها عمر، فهو قصير للغاية، والهدف من ورائه فقط، البدء بمرحلة جديدة من القتال، وهي مرحلة الحسم العسكري، الذي ستقوده روسيا، والجيش السوري، وقوات حزب الله، وفرق إيرانية، مع هوامش سورية مؤيدة للنظام، ومنها أجنحة من الأكراد.
وقف إطلاق النار، سيمثل في حقيقة الأمر، فاصلاً ما بين مرحلة التدخل الروسي الاستراتيجي، وما حققه ميدانيا من إنجازات، وبين مرحلة محاولة حسم الأمور ميدانيا وعسكريا، عبر مرحلة قد تطول، في ظل محاولات النظام السوري، إعادة ترتيب شؤون الحكم مركزياً، بدءاً من إجراء الانتخابات البرلمانية منتصف الشهر القادم!!
سيكون للمعارضة السورية، ما تقوله في الأيام الأولى، للهدنة، وحصر أنواع شتى من الاختراقات للهدنة، كما سيكون للمراكز الروسية لمراقبة الهدنة، ما توضحه عبر صور للأقمار الصناعية، من تداخلات ما بين حركات إرهابية، كـ "النصرة" و"داعش" وغيرها، مع قوات الجيش الحر، ومناطق سكنية خاصة في أرياف حمص وحلب .. ودرعا.
لكن فرز المواقف، خلال «حرب - الهدنة»، إن جاز التعبير، سيكون تراجعاً تركياً وأميركياً في آن.. في ظل ذلك، وعلى ضوء نتائج متوقعة في المرحلة القادمة، مرحلة الحسم هو ترسيم حدود القوى المتصارعة في سورية، وبروز دور إعادة ترتيب الوضع الداخلي السوري، وشؤون الحكم كافة، ومحاولة إعادة المركزية في الحكم وبتعاون واضح بل وشديد الوضوح، مع روسيا وإيران.
قد تتمكن روسيا وإيران، وفي ظل النظام السوري، من حسم معظم النقاط العسكرية، خاصة في المناطق المتاخمة والقريبة من تركيا - لبنان - الأردن، لكن استكمال ما هو عسكري، خاصة فيما يتعلق، بالحرب على "داعش" و"النصرة" هو أصعب وأدق وأطول، من مقتضيات الحرب العسكرية، هناك ملفات كبرى وبارزة، أهمها: * إعادة الإعمار، فما شهدته سورية من دمار، لم تشهده أية دولة في العالم، منذ نهايات الحرب العالمية الثانية.
لا توجد تقديرات دقيقة، حتى الآن، لكن هناك تقديرات تشير الى أرقام تزيد على مائة مليار دولار .. من سيساهم في اعادة اعمار سورية، وبأي صيغة سياسية.. ولماذا؟!
عند انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية، والتوصل الى اتفاق الطائف، اسهمت السعودية، وبحصة الأسد، في اعادة اعمار لبنان، وكان الثمن، هو مجيء رفيق الحريري الى بيروت، كرئيس للوزراء، ولرسم سياسات لبنان. * ايجاد صيغة للحكم المركزي. لا أعتقد ان صيغة الحكم السابق، قابلة للاستمرار، في ظل حكم توارثي، ليس فيه تداول للسلطة، ولا تعددية سياسية.
بالتأكيد ان الجميع، بمن فيهم الروس والايرانيون، يدركون بأن المرحلة القادمة في سورية، تحتاج الي جملة اصلاحات جوهرية، تطال صيغة الحكم المركزي في سورية، وبأن بقاء الحال من المحال.
تدرك روسيا وايران، بأن ما سيترتب على انتهاء الحرب في سورية، سيكون له اثر حاسم على الشرق الاوسط عموماً، خاصة العراق ولبنان وفلسطين وأنه دون ايجاد تسويات لمشاكل معقدة، كهيئة وشكل الحكم في لبنان، وقيام حكم مركزي مستقر في العراق، وتسوية القضية الفلسطينية، فلن يكون هناك استقرار في سورية، التي قد تشكل بوابة جديدة لصراعات من نوع جديد!. -