ذكريات مؤلمة عايشتها السيدة أم إبراهيم من غزة.. "قطفوا وردة قلبي أسماء"

ذكريات مؤلمة عايشتها السيدة أم إبراهيم من غزة.. "قطفوا وردة قلبي أسماء"
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - سها سكر

لكل صباح في غزة حكاية مختلفة، لكن صباح يوم الإثنين الرابع من ديسمبر 2023 لم يكن كقصص حرب الإبادة الجماعية، تكتبها الحروف والكلمات وتُشكلها اللغة العربية كما شاءت بعبارات الآلام والحسرة.

تروي السيدة منور سكر "أم إبراهيم" 48 عاماً، والتي تُقيم في حي الشُجاعية شرق مدينة غزة، ما حدث معها خلال الاجتياح البري للحي قائلةً: "قطفوا وردة قلبي أسماء، هي شهيدة السماء وأميرة قلبي".

وأضافت: "منذ صباح السابع من أكتوبر نستمع لأصوات القصف من كل مكان، فقررنا الخروج من البيت لأحد مراكز الإيواء غرب المدينة خوفاً من الاجتياح البري، جمعتُ في حقيبة قليل من الدقيق والمواد الغذائية وبعض الملابس والمستلزمات الشخصية لأبنائي، وهاتفتوا ابنتي أسماء وربا المتزوجتين ليأتوا بجانبي في تلك المدرسة ويطمأن قلبي على جميع أبنائي من حولي".

وتابعت سكر: "استمرينا بالنزوح والتنقل من مركز إيواء إلى آخر، وذلك بسبب إجبارنا من قبل جيش الاحتلال على إخلاء المكان، حتى مكثت داخل مدرسة بحي الشجاعية، ونهاية شهر نوفمبر خلال الهدنة كانت الفرحة الكبرى وبشرة خير بانتهاء الحرب، ولكن خابت الآمال بعودة القصف والدمار مباشرةً بانتهاء الهدنة"، مُضيفةً: "لم  نكن نعلم أنّ الموت يقترب منا، بعد قصف الاحتلال الحي بالأحزمة النارية، ومع كل ساعة ننطق بالشهادة لعلها ساعتنا الأخيرة”.

وأكملت: "في تمام الساعة الرابعة فجرًا من صباح يوم الإثنين الرابع من شهر ديسمبر 2023، علت أصوات القصف من الطائرات وقذائف المدفعية حيث دخلت حي الشجاعية بعد قصف متواصل لعدة أيام ودمرت الشوارع الرئيسية فيه، من شدة الخوف قرر الجميع داخل المدرسة الخروج، واتصلت بابنتي أسماء للنزوح معنا لنبتعد عن الخطر والموت الذي ينتظرنا، وبالفعل خرجنا ونحن نحمل أرواحنا على أكفنا”.

"حبيبتي وأول فرحتي حرموني منها بدري"

01.jfifوتصف أم إبراهيم قصة استشهاد ابنتها بصوتٍ يملؤه الحسرة والآلم، مع ساعات الصباح الأولى احتضنت السماء أسماء بين ضلوعها هي وأطفالها نور ومحمود، عندما كانت تهرب مع عائلتها من قذائف الاحتلال التي كانت تتخبط بشكلٍ عشوائي، تمسك بأطفالها محمود "8 سنوات" ونور 6 سنوات" وتركد خلف زوجها الذي يحمل فوق أكتافه طفلها الأصغر كنان 3 سنوات" ويهرول سريعًا، ولكن سرعان ما غدرت قذيفة لعينة بأسماء وأطفالها حتى سقطت شهيدة، حيث نظر زوجها خلفه ليرى أطفاله وزوجته ملطخين بالدماء يفترشون الأرض، ماذا عليه أنّ يفعل يتركهم أم يذهب ليحمل جثامينهم ويلتحق بهم شهيداً هو وطفله، فأمسك به شقيقه ليحميه من نيران قذائف الدبابات التي تقف في نهاية الشارع.

وأردفت سكر: "في تلك اللحظات كانت  تنتظرنا لهب النيران لنكمل الطريق سوياً حيث تبعدنا عنها خطوات قليلة، ولكن دخان القذائف غطى الرؤية، فلم نرى ما حدث مع أسماء، وبعد ثواني معدودة لمحت زوجها وحيدًا شاحب الوجه والدموع تملئ عينه ومعه ابنه كنان، فسألته بكل حسرة (وين أسماء والأولاد.. فرد عليَّ أنَّ أسماء فيها اشي)".

أم إبراهيم هرولت إلى المكان ذاته كما تروي، لتُلقي نظرة الوداع على ابنتها وأحفادها، إذ بها تفقد الوعي وتفترش الأرض من هول الصدمة، وقد حاول زوجها إيقاظها تحت زخات الرصاص ولكنها فقدت وعيها، فشدها للهروب وهي تذرف الدموع من حسرتها على ابنتها، التي لم تستطيع رفعها من الطريق ودفنها في المقابر".

وشارت السيدة أم إبراهيم، إلى أنّه بعد مرور شهر من اجتياح حي الشجاعية وعندما تحلل جزء من جثمان ابنتها، تمكنوا من انتشال جثامينهم من الطرقات وتم مواراتهم الثرى في مدرسة لإيواء النازحين بسبب تدمير الاحتلال للمقابر في جميع أنحاء مدينة غزة، مُردفةً: "حفيدتي نور حبيبتي لما رفعوها كان  شعرها ملزق بالرصيف أخدو أبوها واحتفظ فيه ذكرى منها، وأنا احتفظت بنظارات أسماء".

ومازالت إم إبراهيم تعيش على ذكريات ابنتها الكبرى التي رحلت شهيدة هي وأحفادها وتُصارع قسوة الحياة ومررتها باستمرار الحرب المجنونة على قطاع غزة، وتتنقل بين مراكز الإيواء في معاناة لا تنتهي حتى بعد انتهاء الحرب، مُضيفةً: "نحن صامدون في أرضنا ولن نذهب بعيدًا عن مدينتنا التي نُحب”.

03.jfif