تثير إجراءات التحقيق الابتدائي مع النائب نجاة أو بكر على خلفية قضايا جنائية ، كما اثارت سابقاً إجراءات محاكمة النائب محمد دحلان على خلفية قضايا جنائية أيضاً، مسألة الحصانة البرلمانية في فلسطين؛ وقانونية الإجراءات واتصالها بمعايير العدالة والمصلحة العامة، ما دفع البعض للتساؤل هل على رأس النائب "ريشة ...وذنبه مغفور"، وهل الحصانة هي رخصة للقتل أو النصب أو ارتكاب الجرائم والافلات من العقاب .
هذه التساؤلات تستلزم توضيح عدد من النقاط الأساسية ، نبينها تباعاً تبسيطاً للعرض :
أولاً- هناك فارق بين الحصانة البرلمانية الدائمة والحصانة الإجرائية المؤقت؛ فالحصانة البرلمانية الدائمة تتعلق بحصانة أقول دون أفعال ، ومرتبطة بما يبديه النائب مع أقوال أو مناقشات أو اعتراضات أو معلومات وردود؛ خلال أداء النائب لمهامه البرلمانية سواء خلال تشريع القوانين أو الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وهي رقابة مطلقة مهما كان النائب كاذباً أو مهملاً أو سيء النية، وتستمر هذه الحصانة حتى بعد إنتهاء ولاية المجلس التشريعي، وهي حصانة متعلقة بالنظام العام لا يجوز للنائب التنازل عنها، ولا يجوز مسائلته جنائياً أو مدنياً مهما شكلت أقواله جرائم قذف أو اهانة أو اتهام بالخيانة وغيره من الجرائم .
أما خارج النطاق السابق كأن؛ يقوم النائب بأعمال تشكل جرائم مختلفة كالإيذاء أو القتل أو الكسب غير المشروع أو الفساد المالي والاداري، فإن القانون يمنح النائب حصانة إجرائية مؤقتة أي لا يمكن للنيابة العامة اتخاذ إجراءات التحقيق والإحالة للمحاكمة تجاه النائب - عدى حالة التلبس بجناية - إلا بعد الحصول على إذن من المجلس التشريعي ، فإذا حصلت النيابة على ذلك الاذن ترفع عن النائب الحصانة ويحاكم أمام القضاء .
ثانياً- وهنا هل من العدالة أن تقيد يد النيابة العامة والقضاء عن محاكمة نائب فاسد أو مجرم ، هذه المسألة معقدة وترتبط بالغايات التي من أجلها وضعت الأنظمة القانونية ، فمثلاً الحصانة الدبلوماسية تمنع من محاكم من يتمتع بها( الدبلوماسي الاجنبي ) مهما ارتكب من أفعال وجرائم وقد قررت لحفظ العلاقات الدولية والسلام بين الدول ، وكذلك الحصانة البرلمانية وجدت لا لكسر مبدأ المساواة بين المواطنين أو لإهدار دور القضاء وتحجيم النيابة العامة، ولكن قررت من أجل تمكين النائب عن الشعب من تمثيله الشعب؛ والقيام بمهام ووظائف السلطة التشريعية سواء الرقابية أو التشريعية؛ دون تكميم لفم النائب، أو تعسف من قبل السلطة التنفيذية لتعطيل تلك الوظائف من خلال ملاحقة النواب على الجرائم، وربما بشكل تعسفي أو اختلاق ادعاءات باطلة لوقف النواب ومحاكمتهم ، فقد تبدوا بعض النصوص القانونية بعيدة عن مبادئ العدالة ولكن تلك النصوص تكون مقرر لحماية مصالح وأوضاع قانونية جديرة بالرعاية وتستلزم ذلك .
ثالثاً- كيف تحولت الحصانة البرلمانية من نظام قانوني إلى معضلة قانونية وسياسية تهدد النظام السياسي ودولة القانون ، وذلك عندما تم تعطلت أعمال المجلس التشريعي فلا هو قادر على الاجتماع بشكل قانوني، وتقرير التمسك بالحصانة البرلمانية أو نزعها عن نائب معين، ولا تم احترام دورية الانتخابات والالتزام بمدة ال 4 سنوات لولاية المجلس التشريعي ، وعليه لا يمارس النائب الفلسطيني وظيفة التشريع أو وظيفة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وربما انشغل بعض النواب بالتجارة أو الكسب المالي أياً كان مصدره، او بأعمال استعراضية لتذكير الناس بوجودهم حتى لا ينساهم الناس، وهنا قد يرتكب النائب ما يعد جرائم .
وفي النهاية نكون أمام خيارين: إما الركون للاعتبارات العملية واعتبارات العدالة، والمصلحة العامة وحفظ مصالح المجتمع، وعدم الاعتداد بالحصانة البرلمانية في مواجهة النائب الفاسد أو المجرم ، أو الخيار الثاني أي التمسك بالنصوص القانونية والشرعية الاجرائية والقانونية والدستورية فيفلت المشتبه فيه من العقاب، وهنا أرى كباحث بأن الاعتماد على الخيار الثاني أسلم وأفضل فالتمسك بالشرعية القانونية أولى من المزيد من إهدار النصوص ، وانتهاك أحكام القانون الأساسي ، بل المخرج هو إعادة الاعتبار للقانون الأساسي الفلسطيني، والعمل على إعادة إحياء المؤسسات الدستورية وتفعيلها؛ من خلال انتخابات عامة قريبة، وليس الحل هو ضرب القانون الأساسي بعرض الحائط، ومزيد من الانهيار القانوني .