تقرير بالصور: غزة.. رحلة نزوح على غُصنها ينبُت الزهر وفي أرضها يُثمر الزرع

غزة.. رحلة نزوح على غُصنها ينبُت الزهر وفي أرضها يُثمر الزرع.jfif
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - أحمد قنن

الأرض تفيض بالحب والزرع والفلسطيني يتشبث بأرضه فيزرعها ويأكل منها ويعيش على سطحها وإذا مات تحتضنه بحب وينبت من داخلها كالزرع، وثمّة ارتباط وثيق بين الفلسطيني وأرضه، وعلى مر العصور كان الفلسطيني مجبول بحب الزراعة والإنجاز، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة تُعد السلة الغذائية لثمرة التوت المعروفة بالذهب الأحمر وينتظر موسمها كثير من الأشخاص بالمنطقة والجوار.

"أبو محمد" أبو برايو، يبلغ من العمر ستون عاماً، دمّر الاحتلال "الإسرائيلي" منزله في حي تل الهوى ونزح مع عائلته إلى ملعب اليرموك بمدينة غزة منذ بداية الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر، حيث يعيش أبو محمد كل يوم بيومه على أمل أنّ يعود لركام منزله المدمر ويزرعه لينبت من جنباته الزرع والورد فنحن شعب يستحق الحياة ويتجدد كطائر العنقاء.

اخبار غزة واخبار محلية ودولية، من مصادرها الرسمية: المصدر

"عندي 14 ولد 13 إناث وطفل واحد، من بين البنات شهيدة استشهدت إثر قصف إسرائيلي استهدف ملعب اليرموك في وقت سابق"، بهذه الكلمات بدأ أبو محمد حديثه مستحضراً مناقب طفلته الشهيدة التي كان يأمل أن تكبر بجانبه كالمزروعات التي يزرعها.

أبو برايو، يقول لمراسل وكالة "خبر": "أنشأت هذه المزرعة في ملعب اليرموك لزراعة الخضار والفواكه التي تساعد على تخطي مصاعب الحياة". وعن لحظة استشهاد طفلته يوضح أنّها كانت تساعده في جمع الأحجار من طرف الملعب، لكن ذات يوم باغتها صاروخ من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية وقطعها أشلاء.

وعن ابنته الشهيدة الطفلة "12 عاماً"، قال: "هي فلذة كبدي وروح الروح، أنا لسا بزرع الشتلات وبوزع المحصول على روح بنتي حبيبتي". ويُضيف: "احنا من قسوة الحرب وحرمان الأطفال من الفواكه والخضروات والمواد الغذائية لجأنا في ظل هذه الحرب القاسية لسد بعض الحاجيات وسد رمق جوع أطفالنا".

وتابع: "ابتكرت مع عائلتي بعض الشيئ، حيث نزرع الخضار والشتلات الصغيرة لتوفير اليسير اليسير من الأكل والطعام خاصة للأطفال الذين يعانون من الحرمان والجوع".

ويستيقظ أبو محمد أبو برايو مع كل شمس صباح للاطمئنان على الزرع ويسعى لتوفير الماء لسقيى المزروعات الصغيرة التي يحتضنها بحبات عينيه، ويقول عن المزروعات: "بربيهم زي أطفالي"، مُردفاً: "أخدت إذن من البلدية وحوطت تقريباً 60 متر من الملعب لزراعة البذور المتواجدة في شمال غزة لا سيما في ظل الحصار والحرب".

ومن بين المزروعات المغروسة، ذكر النازح أبو برايو: "زرعت فجل وبقدونس ونعنع وريحان وزهرة وملفوف، هذه هي المزروعات التي وجدتها في ظل النقص الكبير والاحتياجات الأكبر، المزروعات شو ما كانت بتساعدنا على قسوة ومرارة الأيام والحياة".

المزروعات لا تكفي لمخيم كبير يأوي آلاف النازحين، حيث ينقصهم بحسب ما أكد أبو برايو، الكثير من مستلزمات الحياة، مُشدّداً على أنَّ الأمور المادية عائق كبير يقف أمامه خاصة في ظل انعدام الدخل وقلة البذور وغلاء أسعارها إن توفرت.

وأردف: "الأسعار تضاعفت كثيراً ووصلت حد لا يطاق وأصبحت غالية جداً جداً، المبيدات الحشرية والفيتامينات سعرها خيالي"، بلهجة المزارع الفلسطيني نوه إلى غلاء الأسعار الفاحش.

وعبّر أبو محمد، عن شعوره بالابتهاج وهو يرى الفرحة تكبر أمام عينيه، "الشتلة بتبسط أكثر شي المزراعين النازحين من بيت لاهيا لما يمروا عني ويشوفوا منظر الشتلات بيقفوا وبيحكوا احنا بنيجي نريح نفسنا بالخضار"، هم صادقون لأن الخضار يبعث الارتياح للنفس خاصة في ظل كومة الدمار التي تحيط بالنازحين من كل جانب.

ولفت إلى أنَّ المشتل وهبه لله وهناك أناس يأخذون الريحان لسد رمق النازحين الذين فقدوا الكثير من حياتهم وتركوا أراضيهم شمال قطاع غزة، مُؤكّداً على الارتباط الوثيق بين الفلسطيني وأرضه.

وأكمل حديثه بالقول: "تعددت مرات النزوح لعائلتي بداية في مستشفى القدس الذي تهدد بالقصف، رغم ذلك صدمنا حتى أننا لم نترك أرضنا وبقينا في الشمال ولم نذهب للجنوب رغم صعوبة ما عشناه وفضلت أنني أموت وأدفن هنا وألا أترك أرضي".

واستحضر أبو برايو، اللحظات الأولى التي يزرع فيها الشتل، قائلاً: "أدعوا الله عز وجل أن يكرمني لأكرم النازحين والشتلة من بداية  نبوذها بالأرض لحين قطفها للأكل وهي مدللة لأن الخضرة والزرع عزيز كثير زي الأولاد".

وفي ختام حديثه وجّه رسالة للعالم الإنسان فحواها: "أطفال فلسطين عاملوهم كأطفال العالم، نساء فلسطين عاملوهم كجزء يسير من معاملتكم لنساء العالم"، مُشيراً إلى أنَّ أطفالنا يتم تربيتهم على حب الأرض والزرعة والعطاء، وأنه يسعى لتوفير ما يقوى عليه من أجل أن يحيا الإنسان في قطاع غزة.

أما ابن المزارع الوحيد، أكّد أنّه يساعد والده في الزراعة كل يوم وهو يسعى لأنّ يكون على خطى والده في الزراعة وحب الأرض وتقديم الخير للجميع، محمد ابن التسع سنوات يقول: "أمي اليوم حكتلي لقط روكة لخالتك النازحة من جباليا، ولقطت هيني أكم ورقة عشان أعطيهم إياهم".

الطفل محمد تحدث لمراسل وكالة "خبر"، قائلاً: "إنَّ التفاح والكرنب والبطاطا والبندورة والخيار والملفوف من ضمن المأكولات التي يرغب بأكلها"، لافتاً إلى أنّه زرع بعضها ويتمنى أنّ تكبر ليأكل منها ويطعم الجميع من المحاصيل التي يقطفوها من أرضهم في ملعب اليرموك.

"النا أكثر من عشر شهور نازحين، أبويا أيام المجاعة فكر يعمل شي فزرع الأرض وأختي دعاء كانت تساعده وتنقل الأحجار من طرف الملعب، صاروخ زنانة فتفتها تفتفت، ودفناها في مقبرة البطش بحي التفاح"، هذه الكلمات تحدث بها الطفل محمد وقلبه يرتجف برداً وخوفاً من القصف والمطر، مُعبراً عن شوقه لأخته التي استُشهدت في المكان الذي يسعى لزراعته.

وبعث "محمد" برسالة حب لروح شقيقته الطفلة الشهيدة "دعاء"، قائلاً: "الله يرحمها ويتقبلها من الشهداء، الله يهونها علينا ونرجع لبيوتنا ونعيش حياة زي باقي أطفال العالم، وأنا بوعد أختي إني راح أضل أزرع وأوزع الزرع على روحها، أنا بحبها كتير ومشتاق أشوفها ونرجع للحياة".

يُشار إلى أنَّ ملعب اليرموك يأوي آلاف النازحين الذين تقطعت بهم السبل جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، ويعيش النازحون في خيام لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، بينما يقع حي تل الهوى قرب محور "نيستاريم" العسكري والذي أقامه الجيش "الإسرائيلي" للفصل بين شمال وجنوب وادي غزّة، ويُعتبر حي تل الهوى منطقة حمراء يتم استهداف أيّ متحرك فيها.

تقرير بالصور: غزة.. رحلة نزوح على غُصنها ينبُت الزهر وفي أرضها يُثمر الزرع
تقرير بالصور: غزة.. رحلة نزوح على غُصنها ينبُت الزهر وفي أرضها يُثمر الزرع
تقرير بالصور: غزة.. رحلة نزوح على غُصنها ينبُت الزهر وفي أرضها يُثمر الزرع
تقرير بالصور: غزة.. رحلة نزوح على غُصنها ينبُت الزهر وفي أرضها يُثمر الزرع
تقرير بالصور: غزة.. رحلة نزوح على غُصنها ينبُت الزهر وفي أرضها يُثمر الزرع