على مدار سنة وأربعة أشهر تقريباً عاش فيها المواطن الغزّي كل أصناف المعاناة والقتل والتهجير القسري لأماكن سكناه، لكِن اليوم تلوح في الأفق بوادر عن صفقة محتملة قريبة جداً لا تتعدى الساعات أو الأيام القليلة قبل الإعلان عنها.
فرحة وخوف وحزن وترقب هو حال المواطن في غزّة الذي يأس من أنّ تنتهي الحرب في يوم قريب، بل فقد الأمل في أنّ تطلع عليه الشمس ليوم آخر.
لحظات تحبس الأنفاس في ظل تسارع الأنباء عن بنود الاتفاق بين حركة حماس وإسرائيل والذي بموجبه سيتمكن النازحون من العودة لمناطق سكناهم ومن التنفس قليلاً بعيداً عن صوت الصواريخ وأزيز الدبابات والطائرات التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح البريئة في غزة.
اخبار غزة واخبار محلية ودولية، من مصادرها الرسمية: المصدر
وكالة "خبر" استطلعت وعاشت تلك الأجواء مع المواطنين ونقلت مشاعرهم ومخاوفهم وآمالهم في حال تم الإعلان عن الاتفاق وكانت كالتالي:
محمد داوود ابن الـ17 عاماً والذي فقد جميع أفراد أسرته من الأب والأم والأخوة وكان هو الناجي الوحيد من العائلة، يقول: "لا يهم إنّ تم الإعلان عن الاتفاق أو لم يتم، إن عدنا للشمال أو لم نعد، لم يعد لي أحد لينتظرني ولم يعد لي أحد لأعيش معه أيامي القادمة".
ويواصل في حديثه لمراسلة وكالة "خبر": "استشهدت أسرتي حينما تعرض منزلنا لقصف همجي من صاروخ حاقد دمره على أجساد عائلتي ولم يبقى منهم أحد، ولولا أنني كنت خارج المنزل وقتها لكنت شهيداً معهم وليتني كنت كذلك، حتى لا أتجرع مرارة الفقد والحزن كما أتجرعها الآن، ليته بقي أخ أو أخت أو أب أو أم لي ليشاركوني تلك المشاعر المتناقضة ويهونوها علي".
وأضاف: "أتمنى من أبناء شعبي أنّ لا يجهروا بمظاهر الفرح والرقص لأنّ عائلات ثكلى كثيرة تبكي أحبائها ومازالت تبكيهم، فليحافظوا على مشاعرهم".
أما لورين وهي زوجة وأم لثلاثة أطفال تقول ضاحكة: "فور الإعلان عن الهدنة سأحمل شنطتي الصغيرة التي أتيت بها من الشمال وأترك كل شيء اشتريته في الحرب وأركض بأطفالي نحو الشمال، لا أريد سوى العودة لغزة الحبيبة لبقايا بيتي المهدم، سأسكن فيه حتى لو بقيت غرفة واحدة، يكفي أنّ تكون بين أهلك وجيرانك الذين تعودت عليهم وعاشرتهم سنين طويلة".
حسين شاهين، يقول: "لم يعلنوا بعد عن تفاصيل البنود التي يمكننا من خلالها أنّ نعرف إنّ كنا سنعود لمنزلنا في المناطق الشرقية من مدينة رفح الحبيبة، فأنا أقطن تقريباً في حي يبنا برفح، صحيح أنه مدمر ولكن أتمنى أنّ نعود إليه، ونتنفس هواء المدينة التي نحب".
اعتدال وسارة، ابنتا الرابعة عشر ربيعاً، فقدا والديهما في بداية الحرب فاضطرتا للنزوح مع أعمامهم للجنوب، تقولان: "حين يتم الإعلان عن هدنة ويمكننا العودة للشيخ رضوان سنذهب لتفقد قبر والدينا وقراءة الفاتحة على أرواحهم، سنبكي ونخبرهم ماذا فعلت بنا الحرب بعد رحيلهم، سنقول لهم إننا نشتاق إليهم ونشتاق لبيتنا المهدم، سنقول لهم نحن نحبهم كثيراً".
جدير ذكره أنَّ كثير من العائلات تفرق شملهم من بداية الحرب حين أجبرهم الاحتلال على ترك منازلهم عنوةً وتحت أزيز الدبابات ونيران مدفعيتها فاضطروا للتفرق عن بعضهم البعض وكل عائلة وفرد منهم نزح إلى مكان جديد، منهم من توجه إلى الجنوب ومنهم من بقي في مدينة غزّة يتجرع ألم الفراق وعذابات الحروب.
أم براء، التي خرجت مسرعة في ليلة من ليالي للحرب الصعبة نحو المستشفى تطلب النجدة لإسعاف ابنتها التي لم تتجاوز العامين حين ارتفعت حرارتها وأصابتها نوبة من الحمى الشديدة التي كادت أنّ تودي بحياتها تاركة ثلاثة أطفال أكبر براء ذو العشرة أعوام وأصغرهم محمد ابن الخامسة أعوام في المنزل لوحدهم على أنّ تعود إليهم سريعاً ولكن شاء القدر أنّ تدخل ابنتها غرفة العناية الفائقة لتتصل بعدها في أمها وتطلب منها أنّ تذهب لبيتها وتأخذ أطفالها حتى تعود هي للمنزل، وبعد ساعات قليلة جاءها اتصال من أمها يخبرها بأن الاحتلال دمر المربع السكني الذي يقطنون فيه فاضطرت الجدة لأخذ أحفادها وأولادها والهرب نحو الممر الذي حدده لهم الاحتلال نحو الجنوب، ذلك الخبر نزل على قلب الأم كالفاجعة، كيف لا وهي ستفارق أطفالها وأهلها لأيام وربما لشهور عديدة وحدث ما كانت تخشاه!!
تقول الأم عبر اتصال هاتفي مع مراسلة "خبر": "مرت على قلبي أيام لم أذق فيها طعماً للنوم أو الراحة، أوقات صعبة على أي أم حين تسمع بقصف بالقرب من أطفالها أو حين تجتاح الجنوب فترة من المجاعة، كنت أبكي على أطفالي وأمي وهم يعيشون في خيمة لا تقيهم من حر الصيف أو برد الشتاء، ومع كل سقوط للأمطار كنت أدعي الله أنّ يكون رحيماً بهم وكم مرت علي ساعات صعبة جداً حينما سمعت أن الخيمة التي تأوي أطفالي قد جرفتها مياه الأمطار وهم نيام بداخلها".
وتُتابع: "لا أفوت لحظة الآن دون أنّ أسمع أو أتابع الأخبار التي تتحدث عن هدنة مرتقبة فأسجد باكية شاكية متضرعة إلى الله أن تكتمل على خير وأن ألتقي بأطفالي الصغار الذين حرمت من احتضانهم على مدار سنة وشهرين".
وتُواصل: "خبأت كل الأشياء والأكلات التي يحبها أطفالي، سأطهو لهم كل أصناف الطعام التي يرغبون في تناولها، سأعد لهم المفتول والمقلوبة والبصارة وكل ما حرموا منه في شهور غيابهم عني، إني أتحرق شوقاً للقائهم واحتضانهم".
أما عن أمنيات الناس ومخاوفهم وتطلعاتهم الأيام القادمة، وكالة "خبر" رصدتها عبر ما كتبوه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وكانت كالتالي: