هناك من يعتبر ما حدث هزيمة نكراء للمقاومة، بدليل أن حكومة نتنياهو تمكنت من إجراء تغيير شامل في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا في ظل ما حدث في سوريا، وباتت أقرب لفرض هيمنتها على المنطقة، وبحكم الإبادة الجماعية وتحويل معظم قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للاستخدام البشري، وعدم تحقيق معظم الأهداف التي حددها القائد العام للقسام في يوم بداية طوفان الأقصى.
وهناك من رأى ما حصل انتصارًا ناصعًا للمقاومة، بدليل عدم تحقيق دولة الاحتلال الأهداف التي أعلنتها، والخسائر على مختلف الأصعدة التي تكبدتها، بما فيها تخلخل المكانة الإستراتيجية لإسرائيل ودورها الوظيفي وسقوطها الأخلاقي، وفي ظل أن القاعدة المتعارف عليها في التاريخ أن الضعيف ينتصر عندما يصمد، ولم يمكن الطرف القوي من تحقيق أهدافه، والعكس صحيح.
التحرير للأرض المحتلة هو النصر، والصمود الأسطوري خطوة إلى الأمام
هناك رأي ثالث، يرى أن الصمود الأسطوري والمقاومة الباسلة والشجاعة منقطعة النظير التي جسدها شعبنا ومقاومته، وعدم تحقيق الاحتلال لأهدافه المعلنة وغير المعلنة، خطوة مهمة على طريق النصر، ويمكن اعتبارها شكلًا من أشكال النصر، كما يرى التغيير النوعي الحادث الذي يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط، خصوصًا فيما يتعلق بدمج إسرائيل في المنطقة، كما يرى الكارثة الإنسانية والخسائر الجسيمة التي تكبدها شعبنا في قطاع غزة، والتي تكبدتها المقاومة، وجعلتها تطالب بوقف إطلاق النار، من دون تحقيق معظم أهداف المقاومة، وأحسن ما يمكن أن يحدث هو بقاء المقاومة وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر على مغزاها الإستراتيجي ليس انتصارًا، وإنما نصر الضعيف على القوي؛ بمعنى عدم تمكينه من تحقيق أهدافه، وهو ثمرة صمود أسطوري ومقاومة باسلة.
بقاء المقاومة على أهميته ليس الهدف
كما أن مجرد بقاء المقاومة وحتى بقاء سيطرتها على القطاع على أهميته لا يعدُّ انتصارًا وليس الهدف، وإنما الهدف كان وسيظل تحرير الأرض، لأنه عودة لما كان قائمًا، خصوصًا أنه في ظل المعطيات القائمة سيستخدم بقاؤها وحكمها ذريعة لمواصلة العدوان ومنع الإغاثة وعودة الحياة إلى القطاع من خلال إعادة الإعمار ورفع الحصار ووقف العدوان، ويصب في تكريس الانقسام ومنع قيام دولة فلسطينية، وهذا سيجعل إن حصل قطاع غزة منطقة طاردة وليست جاذبة لسكانها.
وإذا لم يكن ما حصل انتصارًا فهل هو هزيمة؟ لا طبعًا، بل هو فشل إسرائيلي بطعم الهزيمة، ومن لم يصدق لير الغضب والحزن والبكاء والتباين في إسرائيل بين من يعتبر ما جرى انتصارًا وبين من يعتبره هزيمة، لأن الانتصار معياره الحاسم تحقيق الأهداف الموضوعة، وهم قطعوا شوطًا على طريق تحقيقها، ولكنهم لم يستكملوا تحقيقها نتيجة الأسباب المذكورة في مستهل المقال.
وما حصل ليست هزيمة للمقاومة، لأن المقاومة صمدت وحافظت على نفسها في ظل ظروف قاهرة، ولم تعترف ولم تتصرف على أنها مهزومة وهذا هو الحاسم، فالهزيمة تصبح كذلك إذا تم الاعتراف بها، وإذا قادت إلى الاستسلام.