قضيتنا في خطر!!!

d8b9d8a8d8afd8a7d984d986d8a7d8b5d8b1d8a7d984d986d8acd8a7d8b1
حجم الخط

ربما لم نكن يوماً ما وحتى في اللحظات الأكثر تشاؤماً قبل عقدين أو ثلاثة عقود نتوقع أن نصل إلى ما نحن عليه اليوم... وأن يتدهور وضع القضية الفلسطينية إلى ما وصل إليه خلال السنتين الأخيرتين. حتى بعد النكبة، كان بإمكاننا الخروج من رمادنا وإعادة ترميم ذاتنا المكسورة، بل أكثر من ذلك إعادة فرض أنفسنا كرقم صعب على صعيد المنطقة والعالم. بعد النكبة وقبل النكسة عادت فلسطين من خلال ثورة أطلقها شجعان، وكان شعارها فلسطين أولاً وأخيراً... ولا بديل للفلسطينيين عن وطنهم.

بل إن الفلسطينيين بكل فئاتهم وأطيافهم السياسية والمذهبية والدينية رفعوا الشعار نفسه وساروا خلفه وتحت مظلته... حتى إن عشرات آلاف الشبان تطوعوا للقتال في صفوف الثورة، وانضموا إليها طوعاً... لا لامتياز ما، ولا لمصلحة شخصية، ولا لمنافع مادية، بل من أجل تراب فلسطين ومن أجل مبدأ التحرير والعودة.

منذ بداية القرن العشرين وعلى الرغم من المؤامرات التي حيكت سرّاً وجهراً ضد فلسطين والشعب الفلسطيني، تمكنا من تجاوز الصعاب وترسيخ أقدامنا في مربّع حقوقنا الوطنية. في العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين وفي ظل الدولة الوطنية العربية أصبحت القضية الفلسطينية هي المعبّر الأساس عن طموحات الشعوب العربية، حتى وصل الأمر إلى أن تكون القضية الفلسطينية هي الشعار الأوّل الذي يرفعه المواطن العربي... وقبل الخبز أحياناً، وأكثر من ذلك ربما تنازل المواطن العربي عن كثير من حقوقه السياسية والاجتماعية لصالح الأنظمة لأنها، أيضاً، رفعت شعار القضية الفلسطينية كأولوية دون منازع.

النظام السياسي العربي ربما كان يعتقد أن السبيل الأقصر للحفاظ على هيمنته واستمرار بقائه هو استخدام القضية الفلسطينية، بصرف النظر عن شكل هذا الاستخدام، بل إن كثيراً من الأنظمة العربية في خمسينيات وستينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي كانت تستمد شرعية وجودها من القضية الفلسطينية، على قاعدة أنها المدافع عن هذه القضية، والمواجه للصهيونية في فلسطين المحتلة أو خارجها. وأكثر من ذلك، أن الفلسطيني كفرد أو مجموعة كان فوق الشبهات، بل ربما محل تقديس عند كثير من الجماهير العربية. الفلسطيني كان المناضل، الفدائي، المجاهد، ورمز الافتخار للعرب ومحل احترام وتقدير... والشعب الفلسطيني هو الأوّل بلا منازع... والقادة الفلسطينيون لهم الأولوية في كل شيء. حتى المساعدات المالية للثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني كانت تعطى على أساس أنها حق وواجب، وهي مطلب شعبي من الجمهور... وبناء عليه لم يتردد أي نظام عربي في تقديم هذه المساعدات... حتى إن حاول بعض هذه الأنظمة الاستفادة من الحركات الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن منذ تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحادي والعشرين بدأت الأمور تسير بشكل عكسي... جاءت حرب الخليج الأولى فالثانية... لتنهش من لحم القضية الفلسطينية الطري... وبدأ الهجوم على شخصية الفلسطيني... ربما لم تكن بشكل واسع، ولكن بدأ التغيّر واضحاً... وجاءت اتفاقات أوسلو.. وقيام السلطة الفلسطينية... التي حملت تناقضات فلسطينية داخلية كثيرة انعكست بمجملها على الواقع العربي وعلى ارتداد جماهيري عربي عن القضية الفلسطينية أو بشكل أوضح عن الوطنية الفلسطينية... وابتدأت بالاقتراب أكثر إلى الفصائل والحركات التي ترتكز إلى أسس دينية باعتبار أنها ربما تكون أفضل من سابقاتها التي بدأت تتهم بالفساد وشهوة السلطة، وعدم الاختلاف عن النظام السياسي العربي... ثم جاء الانقلاب في غزة والانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني والحرب الداخلية بأشكالها كافة... لترسم صورة الفلسطيني الجديدة عند الشعوب العربية... وهي لا تختلف كثيراً عن صورة الصومالي أو بعبارة أخرى "صوملة" القضية الفلسطينية.

وبعد "الربيع العربي" انهارت القضية الفلسطينية في بعدها العربي وحتى الإسلامي... حتى المقدسات الإسلامية في قلب القدس لم تعد تهم الجماهير الباحثة عن تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية... ولم تعد القضية الفلسطينية إلاّ أمراً عابراً في كثير من الأحيان. على الصعيد الداخلي، أصبحنا أقرب إلى التسوُّل من الأنظمة العربية، وهي تدفع ربما على قاعدة المصالح... ونحن، أيضاً، أصبحنا نفكر بطريقة تحافظ على عدم الخروج عن مصالح الآخرين في سبيل أن يستمر ما تبقّى من هذه المساعدات.... بمعنى آخر فقدنا عمقنا العربي... والمنطقة على شفا التقسيم ابتداءً من العراق وليس انتهاءً بسورية واليمن... والدمار والخراب اللذين خلّفهما "الربيع العربي" والحروب الناجمة عن هذا "الربيع" كفيلة بأن تبقي آثارَها خمسين سنة مقبلة... فهل نستطيع أن نواجه هذه التغيرات كلها أم أننا اليوم في مرحلة الخطر الشديد؟ ولعلّ ما يحدث داخلياً من اهتزازات على الصعد كافة من انهيارات كثيرة دليل شؤم وإنذار على أننا على شفا كارثة!!