أنت كما الجبل، الحديث موجه إلى الأسير المحرر حديثاً زكريا الزبيدي، لا تهزه العواصف والأمطار، ولا البروق أو الرعود. يهددك باسمه وزير الدفاع الإسرائيلي، يهددك بإسمك، على صفحته أمام الملأ، ثم ينتبه إلى أنه يحتل المنصب الأهم الثاني في دولة إسرائيل الإبادية العظمى، فيخفف وطأة التهديد قليلاً، من أنه سرعان ما سيعيدك لتلتقي أصحابك القدامى، ما كان بن غفير، ليقبل بأقل من أن يصفيك ويشرب نخب مقتلك على إحدى موائده الزاخرة بالدم والعنصرية والدين البائد، وما كان لسموتريتش أن يقبل بأقل من أن لا يبقي أحداً من أصحابك القدامى، فهو يحب الإزالة "على نظاف" كما يقال، يحب الإبادة، كما مع حوارة وجباليا ومن قبل دير ياسين، واليوم جنين.
لماذا اختارك وزير الدفاع من بين جميع المحررين، وخصّك بهذا التهديد العلني، وأنت لست حماساً ولا جهاداً، ولست أيضاً محكوما بعدة مؤبدات؟ هل لأنك من جنين ؟ بالطبع لا، فهناك العشرات لربما ممن تحرروا من جنين. هل لأنك حفرت النفق من تحت الأرض لتنعم بالشمس من فوقها؟ والإجابة هنا أيضاً سلبية، لأن هناك الصقر محمد العارضة الذي حول أصابعه إلى مخالب لحفر السجن، وقد فتح له الباب السجان مؤخراً ليتحرر، فتحرر.
أميل للاعتقاد بأن السبب الحقيقي وراء هذا التهديد هو الخطر الكامن المركب الذي يمثله الزبيدي وصحبه في المرحلة القادمة، وهي على الأبواب، مرحلة من يريد السلام، لا الاستسلام، سلام الحق، لا سلام الباطل، سلام الأخلاق لا سلام المال القذر، سلام الناس لا سلام العصابات، سلام الحرية لا سلام العنصرية، سلام الشعوب لا سلام الطوائف، سلام العدل لا سلام الاحتكار، سلام البذل لا سلام الاستغلال، سلام النور والنهار، لا سلام التجسس والمخابرات، سلام المشاركة لا سلام التفرد والتفوق، سلام الخبز لا سلام السلاح.
وزير الدفاع المعروف بأنه دمية نتنياهو، وصلته على ما يبدو معلومة بأن الزبيدي وصحبه سيعتلي دفة القيادة، مصحوبة بحقيقة عدم اشتمال الصفقة في مرحلتها الأولى (ستة أسابيع) على أسماء مروان وسعدات وحامد وعباس والعارضة ...إلخ، ظن الوزير الدمية أنه لربما بهذا يخاطب نظيراً له في الجانب الفلسطيني، وزير دفاع دولة فلسطين القادمة، فيدخل التاريخ ليس كدمية.
زكريا موعود رسمياً بأن يلتقي أصدقاءه القدامى، ولكن خارج السجن. من أمضى زهرة شبابه وراء القضبان، ومن فقد نفراً كبيراً من عائلته وصحبه، ومن حفر الأرض ليعانق الشمس، لا يهمه كل خزعبلات الاستعمار.
زكريا على موعد مع سدة الدفة. سدة الحكم بعد التحرير، كما مع مانديلا، من السجن إلى الدفة.
زكريا الزبيدي إذا لم يكن جبلا، فقد قدّ من جبل اسمه جنين، كما السنوار يوم قال لهم: كل تهديداتكم لا تهز شعرة في جسمي، كان قد قدّ من جبل اسمه غزة، من سلسلة جبال اسمها فلسطين