احتفالاتنا في غزة واحتفالاتهم في إسرائيل!

تنزيل (6).jpg
حجم الخط

الكاتب: توفيق أبو شومر

 

قال الأسير الإسرائيلي، ساشا تروفانوف لأمه، وهو الذي أُطلق سراحه يوم السبت الماضي: «أنا بخير وصحة جيدة، أُطلقتْ النار على قدميَّ وها أنا أمشي وأقف وأضحك، لقد نقص وزني إلى النصف، وكان طعامنا طعام مجاعة، هيا يا أمي ضميني إلى صدرك وقبليني بقوة، مثلما كنتِ تفعلين وأنا وليد صغير، اقرصيني بإصبعيك، حتى أشعر أنني في الحقيقة وليس في الحلم، أنا بخير».
اللقطة السابقة من مقال الصحافية، سميدار شير في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، حيث قالت: «ستظل جملة (أنا بخير) التي قالها ساشا لأمه أغنيتي المفضلة»!.
هذه اللقطة ربما ستتحول إلى نصٍ أدبي في مناهج طلاب المدارس في إسرائيل في المستقبل القريب، لأنهم بارعون في استحداث قصص جنودهم، فهم قد استحدثوا قصة دمجوها في مناهج التعليم العام 2014 عندما استغلوا قصة سرقة أحد جنود إسرائيل ممن قتلوا الأبرياء الفلسطينيين، سرق قطتين أليفتين من منزل فلسطيني في بلدة خزاعة بخان يونس، وجعلوا من الجندي الذي سرق القطتين بطلاً إنسانياً، يستحق العطف والتقدير، وسموهما اسمين عبريين!
ومن أبرز الاحتفالات في إسرائيل ما ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، قبل أيام حيث التقى، إسحق هرتسوغ رئيس دولة إسرائيل مع الأسير، عوهاد بن عامي يوم الإثنين وقال له: «سنجعل العالم كله يرى معاناتكم في سجن حماس، عندما أنظر في وجهك فإنني أؤمن بأن من يُنقذ حياة واحدة فكأنه أنقذ العالم أجمع! منذ 500 يوم عندما وقع العدوان البربري علينا وأنت في الأسر، أعرف بأن زوجتك قد اختُطفت ثم أطلق سراحها في الصفقة الأولى، نحن الإسرائيليين فقدنا أبناءً عديدين، أنا ملتزم بإعادة الأسرى جميعهم».
من المعروف أن إسحق هرتسوغ نفسه لم يكتب رسالة سلام في شهر أكتوبر 2023، بل كتب على الصاروخ الأول الموجه لغزة: «نثق بكم»!
الإسرائيليون لم يكتفوا بذلك بل إنهم حولوا عددَ أيام الأسر إلى ثوانٍ رقمية لتضخيم الحدث في وسائل الإعلام، فقد حول البرفيسور، والتر بلوك عدد أيام أسر الأسير، ساجي ويكي، وهو الأسير ذو الجنسية الأميركية والإسرائيلية، من أيام إلى ملايين الثواني، فقد قال «انتظرناك ثلاثة وأربعين مليون ثانية»!
أما الباحث، إسرائيل شابيرا فقد استغل أحداث تدمير غزة وأصدر كتاباً جديداً عن غزة بعنوان: (تاريخ اليهود في غزة) وأبرز لقطات من الكتاب جاء فيها: «حكم اليهود غزة منذ عهد الكتاب المقدس في عهد الملك سليمان وقد غزا قطاع غزة المستعمرون، الحشمونائيم، فغزة كانت مدينة يهودية زاهرة، وقد اكتشفنا في غزة أكبر كنيس يهودي العام 1965 «.
هكذا يحتفل الإسرائيليون، يصورون أسراهم أبطالاً خارقين، يحولون أقوالهم إلى أغانٍ وحكم وأقوال، وهم يعيدون دائماً كتابة التاريخ وفق طريقتهم باستخدام بعض التقنيات، منها مثلاً وجود كنيس أو حمام طقسي (مكفا)، وهذا كافٍ لادعائهم بملكية المكان، وإذا عجزوا عن إيجاد مُبرِّرٍ فإنهم يعودون إلى تسلسل الإثنيات والأعراق، ليؤكدوا أحقيتهم كجنس إثني عبري مختار بامتلاك المكان منذ أربعة آلاف عام، ولا يكتفون بذلك، بل ينسبون له كل الإبداعات والبطولات!.
أما نحن الفلسطينيين فإننا عندما نحتفل فإننا نعيد إنتاج عادتنا التقليدية وهي أن نحتفل بما يجب علينا عدم الاحتفال به، فمن راقب احتفالاتنا الأخيرة بإطلاق سراح الأسرى في غزة، يشعر بأننا لم نستفد من دروس التاريخ، ولم نوظف احتفالاتنا لتصب في مجرى قضيتنا العادلة، وكذلك للرد على زيف ادعاءات أعدائنا، لأن احتفالاتنا تكون في الغالب موجهة إلى أهلنا وليس إلى أعدائنا، هدفها في النهاية أن يغيظ المحتفلون منافسيهم من الأهل أولاً!
فما معنى الاحتفال بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، ونحن نقف فوق رماد بيوتنا، ونصنع منصات احتفالية فاخرة على بقايا مؤسساتنا، ونُلبس أبناءنا لباس المقاتلين، نُحمِّلهم البنادق والرشاشات، وكأننا نؤيد رواية الأعداء بأن غزة ليست مدينة وادعة تطلب السلام، يعيش فيها فلسطينيون وادعون يحبون الحياة، بل هي كتيبة من الجيش ولواء من المسلحين فكل من فيها هم جنود يحملون السلاح، إذاً، نقدم العذر لإسرائيل.
أما أبرز القضايا التي لم أجد لها جواباً قاطعاً، عندما سألني صحافي يعمل في وكالة أنباء أجنبية بعد الأيام الأولى من شهر أكتوبر 2023 عن رأيي في خطف المدنيين الإسرائيليين الكهول والنساء والأطفال حاولت تبرير هذا الخطف، وحاولت أن أستعيد تعذيب أطفالنا وسجنهم، وذكرت له قصة الطفل الفلسطيني، أحمد المناصرة المعتقل بتهمة طعن جندي وكان عمره إحدى عشرة سنة، وكيف عذبه المحققون الإسرائيليون ونشروا استجوابه في شريط فيديو، وذكرت له خطف الطفل البريء، محمد أبو خضير، وإحراقه من قبل عصابة مستوطنين بسكب البنزين عليه في إحدى الغابات العام 2014 لأنه فلسطيني فقط، وإحراق عائلة الدوابشة العام 2015م، أخيرا كنتُ أتساءل هل أقنعتُ هذا الصحافي بذلك؟!
أما القضية التي استفزت كثيرين عندما علموا أن رجال الأمن الفلسطينيين ممن يحرسون الأسرى أهدوا أحد الأسرى قطعة من الذهب لتهنئته بمناسبة ميلاد ابنته، تلك القصة التي لم تؤكَّد رسمياً جعلت كثيرين يقارنون بينها وبين أسرانا المعذبين في السجون ممن يُعاقَبون حتى وهم يصعدون الحافلات التي تقلهم إلى الحرية حيث يفاجؤون باستشهاد أسرهم!