عطا الله شاهين " هذيانٌ دافئ تَحْتَ مِعطفِ امرأة "

thumbgen
حجم الخط

ذات مساءٍ ربيعي باردٍ شعرت بضجرٍ غير عادي، فقررتُ الخروج للتّنزه في الحديقةِ العامّة، وحين وصلتها جلستُ على مقعدٍ خشبي، وشاهدتُ هناك امرأةً بمعطفها الأحمر تجلسُ مقابلي، وكانتْ مُنهمكة في قراءةِ كتابٍ تحمله بيديها، ولاحظتُ بأنّها لمْ تنظرُ نحوي طوال الوقت، ولمْ تعرني أيّ اهتمام، وبقيتْ هناك حتى غابتْ الشّمس، فقامتْ مِنْ على مقعدِها، وأغلقتْ الكتاب، ووضعته في شنطتها، وهمّت بالمغادرة، لكنّني سرتُ صوبها، وقلتُ لها: ما الذي كانَ يشدّكِ للقراءةِ بنهمٍ غير عادي، فحاولتْ الهروبَ من الإجابةِ على سؤالي، ولاحظتُ حينها بأنّ المتنزّهين بدؤوا يخرجون من الحديقة، لكنّها اقتربتْ مني وقالتْ: أنتَ وقحٌ، ولكنّكَ جذّاب، وبدا في عينيها حُبّ التّعرف عليّ، واقتربتْ مني أكثر وقالتْ: كنتُ أنظرُ إليكَ خلسةً، ولكنّكَ لمْ تراني، سأقولُ لكَ مع أنّني للتّو تعرفتُ عليك، في هذه الرّواية شدّني ذلك الرّجُل الذي كانَ يهذي تَحْتَ معطفِها الأحمر، ففي الرواية قرأتُ بمتعةٍ عن هذيانِ الرّجُل، حينما سألته تلك المرأة أسررتَ تَحْتَ معطفي، فكان يردّ عليها فهلْ هناك أجمل من هذا السّرور، وكان يقصدُ الدّفء المجنون تحت معطفها، وأشياءً أخرى، أعلمتَ ما الذي شدّني بنهمٍ صوب القراءة، فنظرتٌ إليها وقلتُ لها: بلى، علمتُ، وجلستْ هناك تحدّقُ فيّ وكأنّني أعجبتها، لكنّني دنوتُ منها وقلتُ لها : في الرّواية شيء رائع، فهلْ سأهذي مثل ذلك الرّجُل تَحْتَ معطفكِ، فسكتتْ وقالتْ لربما، فاقتربت منها وهمستُ ولكنّني لمْ أُجرّب الهذيان من قبل، فانتظرتُ حتى غاصتْ الشّمس وراء الجبال، وبدتْ الحديقةُ مخيفة بعتمتِها، وشعرتُ بلسعةِ برْدٍ، ولكنّني بعد لحظاتٍ وجدتُ نفسي أهذي تَحْتَ مِعطفٍ أحمر، وهمستْ لي: هلْ سررتَ مِنْ دفئي، فرددتُ عليها ما أجمل الدّفء في حُضنِ امرأة مجنونة بالقراءةِ، فمِن عينيكِ فهمتُ بأنّكِ تريدين أنْ تقلّدي بطلةَ تلك الرّواية، التي تقْرَئينها كل يومٍ على هذا المقعد، وها أنا أجد نفسي كذاك الرّجل الذي في الرّواية وأراني أهذي تَحْتَ معطفكِ..