حماس... القدرة والمصير

تنزيل (10).jpeg
حجم الخط

بقلم نبيل عمرو

ردّت حماس على المقترح الإسرائيلي الذي وصلها عن طريق الوسطاء بالرفض، مفسرة ذلك بأنه ينطوي على مطالب تعجيزية.

وقبل تلقيها المقترح علمت بأن إسرائيل ومن خلال المبعوثين الأمريكيين ويتكوف وبهلر، تطالب بتجريدها من سلاحها، وهذا ما اعتبرته الحركة خطاً أحمر غير خاضع للتفاوض.

وفي تفسيرها لموقفها من سلاحها، قالت إنه أمرٌ يتعلق بالكرامة وأن السلاح سيبقى بحوزتها ما دام الاحتلال قائماً.

حركة حماس التي أخذت على عاتقها الخاص بدء معركة طوفان الأقصى، والتي تنصّل حلفائها من المشاركة في قرارها، واصلت الحرب قتالاً وتفاوضاً وكادت تحقق الكثير مما سعت إليه، وذلك من خلال الصفقة المتكاملة التي وضعتها إدارة بايدن، والتي رأت فيها حماس فرصاً للبقاء في غزة، إن لم تكن حاكمةً كالسابق، فشريكة في الحكم، من خلال وجودها المسلح الذي استعرضته في عمليات التبادل، التي تمت عدة مرات، ضمن المرحلة الأولى للصفقة الأمريكية.

تحت ضغط من إدارة بايدن، وافق نتنياهو على الصفقة، ولكنه أضمر انقلاباً عليها قبل الوصول إلى استحقاقات المرحلة الثانية منها، التي تنص على انتهاء الحرب وانسحاب إسرائيل وفتح المعابر لدخول المعدات اللازمة لإعادة الإعمار.

اعتبرت حماس هذا السيناريو الأمريكي انتصاراً لها، دون أن تحسب بدقة أن واضعي السيناريو من إدارة بايدن سوف يغادرون البيت الأبيض عمّا قريب، وأن نتنياهو الذي قبل بالصفقة، كان قبل بالفعل المرحلة الأولى منها فقط، تاركاً الثانية والثالثة للتفاوض حولهما، بحيث يتزامن التفاوض مع قدوم ترمب إلى البيت الأبيض، وساعتئذٍ يتم الانقلاب على كل ما تبقى من الصفقة، والدخول في مرحلة جديدة من الحرب والمساومات تحت ضغط النار.

كان ما حدث مع قدوم ترمب مخالفاً تماماً لحسابات ورهانات حماس، وفي زمنٍ قياسي، بدا كلمح البصر لم تعد إيران سنداً استراتيجياً فعّالاً ولم يعد حزب الله شريكماً تضامنياً على أي مستوى، وتلاشت واسطة العقد سوريا من مشهد "الممانعة" ليقع في المنطقة أعمق انقلابٍ للقوى وتموضعها وأدوارها، وهذا كله جاء ضد حماس وحساباتها ومعسكر الممانعة من أساسه.

حماس بعد كل ذلك وجدت نفسها أمام معركة حياة أو موت، فإسرائيل لم تعد تريد تسوية معها كما كانت مضطرة لذلك تحت ضغوط إدارة بايدن، فهي في عهد ترمب تريد استلاماً كاملاً وصريحاً لحماس، وبالحجم الذي يستطيع نتنياهو تصويره على أنه انتصاره المطلق الذي حارب من أجله ويراهن عليه لإنقاذ رقبته من مقصلة المسائلة وقضايا الفساد.

وأمريكا التي في عهد بايدن –بقصدٍ أو من دون قصد– وفّرت لحماس فرصاً للبقاء في غزة، أمريكا هذه جاء إلى حكمها رئيسٌ يزايد حتى على سموتريتش وبن غفير ونتنياهو، في القضاء على حماس وإنهاء وجودها، وما حكاية شرط تسليم السلاح، إلا لمجرد الإذلال، وهي تعرف أن ما تبقى لحماس من سلاح لا يكفي لتكرار ما حدث في السابع من أكتوبر ولا حتى لما هو أقل منه بكثير.

هذا التطور الفادح الذي لم تحسب حماس له حساب، وقع دفعةً واحدة، وفي زمن قياسي كلمح البصر، ما وضع الحركة أمام خيارين أحلاهما أشد مرارةً من الآخر، فإمّا مواصلة القتال بلا حلفاء، وبإمكانيات تتضاءل يوماً بعد يوم، أو القبول بما يعرض عليها، وهذا يعني رغم كل ما يمكن اختراعه من مظاهر تجميلية هزيمة محققة، لن تقوم لها من بعدها قائمة.

لا أحد يعرف إلى أين ستصل حماس في موقفها الراهن لما يُعرض عليها من قِبل أمريكا وإسرائيل، غير أن ما هو معرف، أن أهل غزة المفترض أنهم حاضنة حماس ترتفع أصواتهم مطالبين بوقف الحرب تحت شعار محق "بدنا نعيش" وما هو معروفٌ كذلك ويشاهد على الأرض أن إسرائيل تستغل كل يوم وكل ساعة، لتغيير جغرافية غزة ورسم خريطتها الجديدة، وهذا الذي تفعله فيها لا ينفصل عما تسعى إليه في الضفة.

الفلسطينيون يواجهون أخطر ما واجهوا منذ بداية نكبتهم، ولا خيار لديهم سوى مواصلة الحياة والأمل مهما كان الثمن.