ليس غريباً أن يشتعل الصراع من جديد بين باكستان والهند على إقليم كشمير، والذي شكل طوال أكثر من 75 عاماً محور الاشتباكات بين البلدين اللذين كانا فيما مضى تحت رحمة الاستعمار البريطاني الذي زرع بذور الفتنة وقسّم شبه القارة إلى كيانات متنازعة.
النزاع حول إقليم كشمير بين البلدين بعد نهاية الاستعمار البريطاني، جعل الهند تسعى لامتلاك قنبلة نووية لفرض الهيمنة الإقليمية، غير أن باكستان وجدت في امتلاك نيودلهي قنبلة نووية خطراً إستراتيجيا يتطلب امتلاك قنبلة لاستعادة الردع.
كلا البلدين دخلا في سباق محموم للتسلح واستعانا بالدول الكبرى لتحقيق التفوق العسكري، ويذكر التاريخ أن باكستان عانت سياسياً واقتصادياً حتى تمكنت من امتلاك السلاح النووي عام 1998، حتى لا تقع رهينة أو خاضعة لخصمها الإقليمي التقليدي.
باكستان التي كانت شاهدة على أول تجربة نووية هندية عام 1974، أعلن رئيس وزرائها آنذاك ذو الفقار علي بوتو عن ضرورة امتلاك بلاده قنبلة نووية مهما كلّف الأمر، وحينها قال جملته المشهورة: «سنأكل العشب أو نعيش جوعى، لكننا سنحصل على سلاحنا النووي».
هذا السباق يعكس إستراتيجية الاستعمار البريطاني حينذاك في زرع بذور الفتنة بين القوميات في الهند، وما خلفه من صراع طائفي وضع كلاً من إسلام أباد ونيودلهي على خارطة الدول المستقلة، لكنهما أصبحتا دولتين متصارعتين، تعيشان في حالة تأهب دائم، ويدهُما دوماً على الزناد.
حتى لو لم يكن هناك إقليم متنازع عليه بين البلدين، ثمة عداوات منبعها البعد الطائفي الذي يغذي النزاع، غير أن دخول إقليم كشمير على الخط وما يحمله من أبعاد طائفية أيضاً، يصب الزيت على النار المشتعلة بين باكستان والهند.
نيودلهي تدعي أحقيتها في السيطرة الكاملة على إقليم كشمير، وباكستان ترى نفس الشيء تحت بند أن أغلب سكان الإقليم يتبعون الدين الإسلامي، وحتى الصين المجاورة لهما دخلت في هذا الصراع منذ فترة طويلة بحكم المجاورة الجغرافية، وسيطرت على 10% من إقليم كشمير.
هذا الصراع المشتعل بين البلدين اليوم، يشكل واحداً من الصراعات الإقليمية المتداخلة مع القوى الدولية المسيطرة على المشهد الدولي. الصين تدعم باكستان وتعتبر من أوائل الدول التي قدمت لها الأسلحة المتطورة وساعدتها في امتلاك السلاح النووي ودربت جنودها.
أما الهند فتحظى بدعم أميركي ومعظم أسلحتها تحصل عليها من واشنطن والدول الغربية وكذلك من روسيا التي ترفع يافطة عدم الانحياز بين البلدين، وما جرى مؤخراً من قتال هندي باكستاني يحدث بالأسلحة الصينية والأميركية والغربية.
من المستبعد أن يتطور الصراع إلى حرب واسعة أو نووية على الرغم من تهديدات الطرفين، والسبب أن كلا البلدين لا يرغب في تحمل تكاليف حرب قد تكون مرهقة ومستنزفة جداً لاقتصادهما، خصوصاً أن العالم يشهد حرباً بين روسيا وأوكرانيا وارتفاعاً في الأسعار وانكماشاً في الاقتصاد العالمي.
هذه الحرب الرابعة بينهما هي مجرد اختبار للقدرات العسكرية لدى كل طرف، تمهيداً لاستكمال مسلسل سباق التسلح، إذ تود الهند معرفة أين وصلت باكستان في المجهود الحربي وما هي نوعية الأسلحة التي تمتلكها من الصين، وكذلك تفعل إسلام أباد مع نيودلهي.
باكستان التي تخاف من القنبلة الديموغرافية الهندية، تسعى لامتلاك أسلحة متطورة وصواريخ موجهة يمكنها تحقيق الأفضلية في الميدان، وكذلك تتحالف مع بكين لأنها تدرك مخاوف الأخيرة من الصعود الإقليمي الهندي وتريد وأد هذه المنافسة قبل أن تبدأ.
بالنسبة للهند فهي تعتمد على شبكة علاقاتها الواسعة بالغرب، وكذلك تحاول استنساخ التجربة الصينية في التنمية والمعرفة لتحقيق قفزات ونمو اقتصادي مُتسارع، وتجد في دعم الولايات المتحدة وفكرة نقل الصناعات الأميركية من بكين إلى نيودلهي عنواناً للصعود إلى القمة.
المستفيد الأكبر من هذا الجو المشحون بالعداوة بين باكستان والهند هو الصين والولايات المتحدة الأميركية، والسبب أن بكين لا تريد جيراناً أقوياء بالقرب من حدودها، وليس لديها مانع في تأجيج الخلافات بينهما، فهي المستفيدة حينما تبيع السلاح لباكستان وتضمن أنه جُرب وفعّال ضد السلاح الغربي.
أما الولايات المتحدة فهي مستفيدة من بيع السلاح إلى دولة كبيرة بحجم الهند قد تشكل في المستقبل تهديداً للتنين الصيني. النتيجة أن سباق التسلح لن يهدأ بين باكستان والهند وسيحاول كلا البلدين شراء وصناعة وتطوير أسلحة يمكنها قول الفصل في معادلة هذا الصراع.