الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. هل تكسر فرنسا جدار الصمت الأوروبي؟

تنزيل (6).jpeg
حجم الخط

وكالة خبر

في مشهد سياسي يزداد توترًا في الشرق الأوسط، وفي وقت تصدح فيه أصوات الاعتراف بالدولة الفلسطينية، جاء الموقف الفرنسي ليثير الجدل ويكسر صمتًا أوروبياً طال أمده، وحين صرّح وزير خارجية فرنسا بأن "لا أحد يُملي علينا موقفنا"، بدا وكأن باريس تفتح بابًا كان مغلقًا منذ عقود.

تصريحات متوالية من قصر الإليزيه ووزارة الخارجية تضع فرنسا على خط مواجهة مع تل أبيب، وتعيد طرح سؤال محوري: إلى أي مدى باتت فرنسا مستعدة للتحرك فعلًا، وليس قولاً، نحو حل الدولتين؟.. وهل حانت لحظة الاعتراف الرسمي بفلسطين؟

فرنسا لا تتلقى التعليمات

في جلسة استماع أمام الجمعية الوطنية، ردَّ وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بقوة على تهديدات وزير خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر، الذي كان قد لوّح أخيرًا بـ"إجراءات أحادية الجانب" ضد أي دولة تُقدِم على الاعتراف بدولة فلسطين.

وفى تصريح حاد، قال "بارو" بوضوح: "فرنسا لا تتلقى تعليمات من أحد، وستقوم بما تراه يخدم السلام في المنطقة، ويضمن أمن الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء".

سلسلة اعترافات ماكرون

في أبريل الماضي، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحات لافتة أكد فيها "الحق المشروع للفلسطينيين في إقامة دولتهم"، مضيفًا أن مؤتمر نيويورك المرتقب في يونيو المقبل "يجب أن يكون نقطة تحول في المسار السياسي".

وقال إنه لابد من حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على حل الدولتين، كما يجب وقف إطلاق النار في غزة واستئناف المساعدات الإنسانية على الفور.

وخلال زيارته لمعرض مخصص لغزة في معهد العالم العربي، أعلن "ماكرون" عن رغبته في "إطلاق سلسلة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية"، إلى جانب الدفع نحو اعتراف دولي متبادل يشمل إسرائيل والدول التي لا تعترف بها حتى الآن.

وقال الرئيس الفرنسي: "أبذل أقصى الجهود مع شركائنا من أجل التوصل إلى هدف السلام، ولكي ننجح علينا ألا ندّخر أي جهد".

نتنياهو يهاجم فرنسا

رد الفعل من الاحتلال الإسرائيلي لم يتأخر، إذ شنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجومًا حادًا على الرئيس الفرنسي عقب تصريحات الأخير بأيام قليلة، قائلًا إن إقامة دولة فلسطينية "في قلب وطننا" –على حد تعبيره– أمر مرفوض تمامًا، واصفًا هذه الخطوة بأنها "أوهام منفصلة عن الواقع".

وأضاف نتنياهو: "لن أعرّض إسرائيل للخطر بسبب اعترافات شكلية بدولة لا تطمح إلا إلى تدميرنا"، مهاجمًا ما وصفه بـ"دروس في الأخلاق من دول ترفض استقلال كورسيكا وكاليدونيا الجديدة"، في إشارة مبطنة إلى ما يعتبره تناقضًا في المواقف الفرنسية.

نتنياهو يعادي السلام

من جانبها، رحّبت وزارة الخارجية الفلسطينية بالموقف الفرنسي، واعتبرت الهجوم الإسرائيلي اعترافًا واضحًا بأن حكومة نتنياهو لا تزال تعادي أي مشروع سلام يقوم على حل الدولتين.

وقالت الخارجية الفلسطينية، وفقًا لوكالة "وفا" آنذاك، إن تصريحات نتنياهو تعكس "إصرارًا على العنف، ورفضًا للشرعية الدولية، وتمسكًا بسياسات الإبادة والتهجير والضم"، مضيفة أن هذا التوجه يسعى لعزل غزة عن الضفة الغربية، وتفريغ مشروع الدولة الفلسطينية من مضمونه.

مؤتمر يونيو.. لحظة مفصلية

كل الأنظار تتجه إلى مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك، وسط آمال فلسطينية بدعم دولي أوسع لخطوة الاعتراف، وخشية إسرائيلية من تحول سياسي عالمي يضع تل أبيب في عزلة متزايدة، وما ستقوم به فرنسا قد يلهم دولًا أوروبية أخرى لتحذو حذوها، لا سيما في ظل التحولات الجيوسياسية التي فرضتها الحرب في قطاع غزة، وتنامي التضامن الشعبي الدولي مع القضية الفلسطينية.

بين تهديدات إسرائيل وتصاعد الدعم الدولي لحل الدولتين، تبدو فرنسا وكأنها تقف على مفترق طرق بين المبادئ والمصالح، فهل تقدم باريس على خطوة تاريخية وتمنح فلسطين الاعتراف الذي طال انتظاره؟.. أم أن حسابات التحالفات ستفرمل الاندفاعة قبل أن تلامس خط النهاية؟ ولكن ما هو مؤكد حتى الآن، أن صوت باريس بات أعلى، وقرارها كما قال وزير خارجيتها "لا يملى عليها من أحد".