كانت تعرف بعد خمسين عاماً ما زالت تلحقني على الباب، لا الصوت تغير، لا الريح لا اللهفة، لا الإيقاع الثقيل لسحبها نافذة البرندة. الذي تغير هو إضافتها لبعض الأشياء التي لم تكن في السابق كالجوال والشاحن، وبطؤها المتزايد في اللحاق بي: لفحتك، جوالك، هويتك، مصاريك، شاحنك، ساعتك. التفاحات. كانت تعرف أني أكبر أيضا وأنسى. الحب: هو أمي واقفاً على الباب. درس عظيم لا تسألك إسطنبول: من أين أنت؟ تسألك فقط: هل لديك معرفة ما، موهبة ما جمال خاص؟ هل ثمة إنسان داخلك؟ كيف تستطيع المساهمة في تعميقي؟ إذن ادخلني بسلام. تورطت مرات عديدة في تقديم نفسي كفلسطيني متحمس كعادتي المضحكة في استدراج أفواه الإسطنبوليين وهم يندهشون: يا الهي فلسطيني عن جد؟ هكذا تخيل فلسطيني الدموع والدم داخلي. على اعتبار أننا شعب خارق للعادة خارق للطبيعة. لم تفتح أفواه الإسطنبوليين على وسعها كما كنت أنتظر، كانوا يرحبون بي بالمقدار نفسه الذي يرحبون فيه بالكاتب الإيراني والسوداني والبوسني. هذا درس عظيم سأعلمه لطلابي: انت مهم ومدهش في العالم بقدر مساحة الإنسان فيك وليس بقدر مساحة بلادك فيك. مفهوم البطولة تغير، مفهوم الفداء تغير. البطولة تحتاج عقلاً ينظمها والفداء يحتاج إنساناً يعمقه. كونوا فدائيي معرفة. أبطال حب كوني. أيضا اقفزوا إلى العالم لتساهموا في ألقه وفنه ومعرفته وتطوره وجماله وليس لاستدراج دموعه وليس لعد شهدائنا وسرد بطولاتنا العظيمة له. إلى اللقاء إسطنبول شكراً أيها الدرس العظيم. أسقط فوقي ختمت تدريب عودتي إلى عكا هذا اليوم بجلسة طويلة صامتة فوق عشب هذه التلة؛ في لحظة ما غير واعية كعادتي، حفرت بيدي بحثا عن جذر عشبة، فإذا بشيء يسحب يدي إلى الأسفل، ارتعبت، ناديت على أصحابي فلم يسمعوني، حاولت أن أنهض فلم أقدر، سحبني انهيار التربة المتتابع إلى الأسفل فإذا بي فوق سطح بيت قديم. وصغير. هو سقوط على وجه الحقيقة التي حاولوا أن يخفوها بالأتربة إذن. لم أخف، لم أتأذَّ، كنت أشعر أني أسقط فوقي، أو فوق يد الحجة عزيزة اللي ولّدتني، فيما يشبه عودة جسدية الى إحساسي الأول الطازج بالحياة. صعدت مسرعا نحو أصحابي العكاويين أريد بلهفة أن أسألهم أين نحن بالضبط. نحن في قرية (الزيب) المهجرة يا زياد. عدت إلى رام الله قبل قليل مستحما بتراب بلادي وملفعاً بالحزن وبالحقيقة.