ما أكثر الذين يتساءلون عن سر قوة نتنياهو الذي تحدى جماهير المتظاهرين الإسرائيليين، وتحدى رئيس أميركا السابق جو بايدن، وها هو يتحدى رئيس أميركا الجديد، دونالد ترامب، وبقية دول العالم!
معظم المحللين المبتدئين يشيرون إلى أن سر قوة نتنياهو يكمن في رغبته تجاوز التهم الجنائية ضده، وكثيرون أيضاً من محللي قنوات الفلاشات السريعة يُرجعون مصدر قوته إلى كفاءته الشخصية!
غير أن الحقيقة الصحيحة لتفسير هذه القوة تعود إلى عام 1977 حين بدأ الانقلاب الديني في إسرائيل، حين نجح الليكود في الانتخابات، وانضم حزب مفدال الديني الذي كان من أنصار بن غوريون اليساري إلى الليكود، وأصبح، مناحم بيغن الصهيوني الديني أول رئيس وزراء يهزم حكومة اليسار، يهزم حزب الماباي، والمبام!
ظل هذا الانتصار صورياً وشكلياً، ولم ينجح نجاحاً كاملاً إلى أن وصل نتنياهو إلى رئاسة الوزراء عام 2009 ليتفوق على حكومات اليسار، وليس هذا فقط، بل ليعيد صياغة إسرائيل من حكومة تبنَّتْ الليبرالية الديموقراطية تكتيكياً إلى حكومة دينية يهودية متطرفة، وقد بدأ عمليات الصياغة بقرارات عديدة، أبرزها التحكم في وسائل الإعلام، حاول نتنياهو إقالة معارضيه الإعلاميين، وشراء صحيفة يديعوت أحرونوت، والتأثير على صحيفة «إسرائيل هايوم»، حاول احتكار معظم القنوات الفضائية في إسرائيل، ولم يكتف بذلك، بل انتقل إلى محاولات تغيير النظام القضائي في إسرائيل، وقد كان نتنياهو من أبرز المحرضين على إقرار قانون القومية، وهو قانون أساس أقرته الكنيست عام 2018 ينص على اعتبار إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي فقط، ظلَّ نتنياهو يرغب في التحكم في آخر مركز قوة الليبراليين، وهو المحكمة العليا بخاصة في اختيار قضاة المحكمة العليا، ووصل به الأمر أن يعمل على إقالة المستشارة القانونية، غالي بهراف ميارا، وهو اليوم تمرد على قراراتها القضائية، وأعلن بدعم من حكومته اليمينية تعيين ديفيد زيني رئيساً للشاباك، بدلاً من رونين بار، وكان قد أقال حتى وزير الجيش الليكودي يوآف غالانت، لأنه معارضٌ عنيد!
الحقيقة هي أن هناك تجمعاً على شكل حكومة ظِلٍ وتياراً دينياً يدعم نتنياهو في السر، وهو حكومة نتنياهو العميقة، مكون من مجموعة من الوزراء ومن المؤثرين في إسرائيل وأميركا، ولعلَّ أبرز رموز حكومة نتنياهو العميقة هم تجمع ومنتدى النصر الإسرائيلي IVC، هذا التجمع عَقَدَ عدة اجتماعات في الكنيست!
هذا التجمع غير المشهور إعلامياً ولكنه هو الأكثر تأثيراً في قرارات نتنياهو يقوده البرفسور دانيال بابيس أسسه عام 1994، وهو ضيف دائم في الكونجرس الأميركي، وبروفسور في جامعة حيفا، وهو خريج جامعة هارفرد، ومن أبرز المختصين في الشرق الأوسط، بخاصة في الأصولية الإسلامية وبخاصة تنظيم داعش، هو كذلك صحافي يكتب في صحيفة واشنطن تايمز، ألّف ثمانية عشر كتاباً عن الشرق الأوسط!
قال دانيال بابيس رئيس المنتدى في صحيفة تايمز أوف إسرائيل يوم 11-7-2017 : «لا بد من هزيمة الرافضين الفلسطينيين بقطع التيار الكهربي والماء عنهم، وهزيمتهم عسكرياً»!
ورد في صحيفة جروسالم بوست قبل حرب الإبادة، يوم 18-5-2023 خبرٌ يقول: «نظَّم تجمع النصر الإسرائيلي اليميني المتطرف برئاسة عضو الكنيست أوهاد طال من التيار الديني الصهيوني اجتماعاً لهذا التجمع قال أوهاد: تعرف إسرائيل كيف تنتصر، فقد هَزمتْ إسرائيلُ العربَ عام 1948 وعام 1967، ولكن إسرائيل اليوم فقدت هالة النصر، وانتقلت إلى طور الهزيمة بتوقيع اتفاقية أوسلو1993، ومن نتيجة هذه الاتفاقية برزت مناطق A B C وحل الدولتين، إذن لا بد أن تستعيد إسرائيل قدراتها على الانتصار العسكري من جديد»!
قال يوسي كوبرفايسر وهو عضو التجمع من أجل النصر، وهو باحث في مركز القدس ومختص بالاستخبارات: «على إسرائيل أن تنتصر عسكرياً، وليس انتظار جولة ما بين الجولات»!
كذلك شارك الحاخام ليو دي في هذا الاجتماع، وهو قد فقد زوجته وحفيدتيه في عملية في وادي الأردن، قال: «أطالب نتنياهو بوقف كل المساعدات للسلطة الفلسطينية، لأن هذه السلطة تمجد الإرهابيين»!
ومن أبرز مسؤولي هذا التجمع المسؤول التنفيذي والمالي، غرغ رومان، وهو المستشار الأول لوزارة الجيش والخارجية!
أما الشخصية المؤثرة في تجمع النصر الإسرائيلي فهي مستشار نتنياهو المقرب، ألكس سيلاسكي وهو من أقرب المستشارين العسكريين، وهو عضو بارز في الحركة الصهيونية المركزية!
كذلك من أعضاء هذا التجمع، إيفاغيني سوفا المهاجر الأوكراني من حزب إسرائيل بيتنا، خريج جامعة بار إيلان، وهو صحافي بارز في القناة التاسعة الإسرائيلية، ومخرج برنامج (بطل اليوم)!
أما أوريت مالكا ستروك عضو الكنيست من حزب البيت اليهودي فهي أيضاً من طاقم هذا التجمع، شغلت منصب وزيرة المستوطنات والبعثات الوطنية في الحكومة السابعة والثلاثين، وهي صهيونية دينية. شغلت منصب عضوٍ في الكنيست عن حزب تكوما الديني!
تجمع النصر الإسرائيلي ليس هو فقط حكومة ظل نتنياهو العميقة، بل هناك حكومة ظل أخرى في أميركا تتمثل في لوبي إسرائيل في أميركا، بخاصة في (الإيباك) وفي مجلسي الكونغرس الأميركي، بخاصة، وفي تيار المسيحانية الصهيونية، بزعامة القس فرنكلين إبراهام مدير مؤسسة، Samaritans Purse الإيفانجيلية، وهو من أبرز المبشرين المسيحانيين في العالم، ومن أبرز مانحي المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل، قال: «إن الله اختار دونالد ترامب لغرض منح إسرائيل الاعتراف بضم الضفة الغربية، وإلغاء حل الدولتين»!