تنظيمات إسلامية عابرة للحدود

حماده الفراعنه
حجم الخط

سعدت بحفل إشهار كتابي السابع عشر «تنظيمات إسلامية عابرة للحدود» لدى دائرة المكتبة الوطنية في عمان يوم الأحد الماضي، نظراً للحضور المتنوع من السياسيين والنواب والكتاب ومن المهتمين، وللذوات الرفيعة التي تناولت الكتاب موضع الإشهار والاهتمام من حيث المضمون والتوقيت والدلالات السياسية الكامنة داخل صفحاته ومغزى إصدار الكتاب وتوجهاته عبر رصد الحالة السياسية الراهنة والدفع باتجاه نقيضها، حيث وظفت الأحزاب السياسية الخمسة عابرة الحدود، دورها ومكانتها في خطف اللحظة والسيطرة عليها بغياب أو ضعف أو ضمور أحزاب التيارات الثلاثة الأخرى اليسارية والقومية والليبرالية. 


فرحت لسببين أولهما : لأنها من المرات القليلة التي يتم الحديث عني، بشكل إيجابي ومباشر، فالمرات التي لا تُحصى كان النقد والرفض والمس هي العناوين الأبرز التي تتحدث عن دوري وإسهاماتي السياسية ولأنني أعمل بالسياسة، ولا اهتمام لي غير ذلك باستثناء العمل المهني من أجل تسديد النفاقات ولقمة العيش، كان العمل السياسي الأردني والفلسطيني هو عنوان حياتي ولا يزال، ولذلك كان موضع نقد وعدم اتفاق، ولم أتراجع عما أراه أنه حق وصواب رغم حجم الخلاف وشدته مع الآخرين ضدي. 


أما السبب الثاني: فهو التقاط أهمية الكتاب ومحتوياته السياسية من رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة، ومن الكاتب والنائب والوزير السابق محمد داودية، ومن الكاتب والنائب جميل النمري، وانحيازهم الجلي لمضمون الكتاب وتوجهاته ضد الإرهاب والتطرف ومن أجل انتصار الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة. 


ما قاله رئيس مجلس النواب الأردني عن « تنظيمات إسلامية عابرة للحدود « أنه كما قال « يحاكي عبر صفحاته، ما يمكن أن يثير الجدل في جانب، لكنه يُثري المعرفة في جوانب بات مهماً إدراكها، والتعمق فيها والاستزادة منها « وأن ما شد انتباهه بين صفحات الكتاب، الخلاصة التي وصل إليها ووزعها الكاتب بذكاء على الفصول والمستويات والعناوين وهي : 
« أننا بحاجة إلى التعددية، التعددية السياسية التي تدفعنا لتطور الوعي، وإخضاع البرنامج الحزبي أو السياسي، مهما كان لونه، لحاجات المجتمعات، وأن يكون للأحزاب دالة مصلحية مركزية واحدة، وهي صياغة الأفكار والقيم والمبادئ على قياس تطور المجتمع وحاجاته، والأهم التعبير عن وعي الأجيال، التي صارت بحاجة إلى الإثراء في جوانب كثيرة، أهمها المشاركة والتعبير عن الذات «. 


والخلاصة القيمة التي وصل إليها محمد داودية بقوله «هذا الكتاب يقع في سياق المشروع الثقافي العربي الضروري لمواجهة فكر الغلو والتطرف والإرهاب الذي لا تهزمه الطلقات والمعتقلات بل تهزمه الكلمات» وهذا ما حاول الكتاب الوصول إليه وتحقيقه. 


جميل النمري الكاتب والنائب أضاف عليّ فرحاً ربما أحتاج إليه لأنني أفتقده، ذكرني بوقائع وسياسات ومواقف عملتها وبادرت لها، شكلت حالة خلاف أو تعارض أو إشكالية في الوقوف معها أو ضدها، ولكنه سعى مثل زميليه، رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، ومحمد داودية متعدد الأوصاف، لإنصافي، فأثار دهشتي من وضوح معرفته ودقته لعرض التجارب التي مررت بها وكان شريكي في أحداثها، فتناولها من موقع الشاهد المطل العارف المنحاز، سواء نحو السودان أو كردستان ومن قبلهما نحو فلسطين، وبالذات نحو أبناء مناطق 1948. 


لم يهدف كتابي «تنظيمات إسلامية عابرة للحدود»، للمس بالتنظيمات الخمسة أو الحكم عليها، بل من موقع الكاتب اليساري الملتزم، تناولها بأقسى قدر من الموضوعية والمهنية، فهي تنظيمات وإن اختلفت مع توجهاتها، فهي تحظى باحترام وتقدير لدى قطاعات واسعة من شعبنا في الأردن وغير الأردن، وهي الأقوى والأكثر تأثيراً وتملك مصداقية عالية، رغم محاولات خصومها تشويه صورتها، على غير حقيقتها، ولذلك تناولتها من وجهة نظر سياسية ومتابعة دقيقة لدفع القارئ والمهتم ليحكم هو لا أنا على حصيلة مواقفها.  


وكتابي لم يتطرق للإسلام لا من قريب ولا من بعيد، فهو يتحدث عن تنظيمات سياسية تعتمد الإسلام كمرجعية وتستعمله وتوظفه كسلاح فكري لها في مواجهة الآخرين، ولذلك أحكم لها أو عليها في ضوء قيم حقوق الإنسان، واحترام الآخر، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والإقرار بمبادئ تداول السلطة، ووصلت إلى نتيجة مفادها، لو كانت التطبيقات الإسلامية صحيحة لما هُزمت دولة الخلافة الإسلامية العثمانية أمام دول الاستعمار الأوروبي، ولو كان الإسلام كعقيدة ورؤية لا تتفق وتطلعات الإنسان لما بقي الإسلام راسخاً في نفوس أكثر من مليار من البشر، فهو قيمة أخلاقية نبيلة ومرشد سلوكي للإنسان وله اعتبار ولهذا يحتاج دائماً للتجديد والاجتهاد، وهذا ليس مجال اهتمامي في هذا الكتاب الذي اقتصر بحثه عن الحديث عن التنظيمات الخمسة، حركة الإخوان المسلمين، ولاية الفقيه، حزب التحرير الإسلامي، تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية داعش، باعتبارها أحزاباً سياسية تسعى إلى السلطة، وإلى السلطة فقط.