ايران على مفترق طرق

ugr5e.jpg
حجم الخط

بقلم هاني المصري

 

 امتصّت إيران الضربة الاستباقية القوية التي استهدفت قيادتها السياسية والعسكرية، من قادة الجيش وعلماء الذرة والمسؤولين عن البرنامج النووي، إضافة إلى منشآت عسكرية ونووية وأمنية مختلفة.

وقد ردّت إيران بردٍّ كان مهمًا وأقسى من أيّ ضربة سبق أن واجهتها الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لكنه، حتى الآن على الأقل، لا يبدو متناسبًا مع حجم الضربة الإسرائيلية، ولا يرقى إلى مستوى ما ورد في خطابات المرشد الأعلى والقادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين.

تجد إيران نفسها اليوم في وضع حرج ومعقّد. فإذا قررت توجيه ضربات قوية ومباشرة لإسرائيل — على فرض امتلاكها القدرة الفعلية على ذلك — فإنها ستواجه بلا شك تدخّلًا مباشرًا من القوات الغربية، وعلى رأسها القوات الأميركية. فقد دافع قادة غربيون مثل ترامب وماكرون وغيرهم عن ما وصفوه بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، حتى قبل الرد الإيراني، بل إن بعضهم لمّح إلى استعدادهم للقتال دفاعًا عن إسرائيل إن تعرّضت لضربات إيرانية حقيقية تهدد بتغيير ميزان القوة. ما يعني أن هزيمة إسرائيل لن تكون خيارًا مسموحًا به في الحسابات الغربية في ظل غياب معسكر عالمي فعال مضاد .

أما إذا اكتفت إيران بردّ محدود وغير متناسب، فإنها تُخاطر بتواصل الضربات الإسرائيلية حتى تحقيق أهدافها المعلنة، وعلى رأسها تدمير البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين. وهذا السيناريو من شأنه أن يُفضي إلى هزيمة استراتيجية قاسية لإيران، قد تُحدث تصدعات داخلية وتُهدد استقرار ووجود النظام السياسي ذاته. وفي حال اختارت طهران تصعيدًا محسوبًا، من خلال توجيه ضربات مؤلمة ولكن دون تجاوز الخطوط الحمراء — كعدم استهداف القواعد الأميركية أو المساس بمضيق هرمز — والانخراط في حرب استنزاف تمتد لأسابيع وربما أكثر، فإن ذلك قد يسمح لها ب"الانتصار" او عدم الهزيمة أو بالحفاظ على ماء الوجه، ويمنحها فرصة للعودة إلى طاولة المفاوضات من موقع تفاوضي قوي نسبيًا.

لكن رغم كل هذه السيناريوهات، يظل المحلل الموضوعي بحاجة إلى مزيد من المعلومات لفهم حقيقة ما يجري، ليس فقط في العلن، بل خلف الكواليس أيضًا، قبل إصدار أحكام حاسمة. ويبقى احتمال حدوث سيناريو "البجعة السوداء" قائمًا — ذلك الحدث المفاجئ غير المتوقع الذي إن وقع، يُحدث تغييرًا جذريًا في المشهد الإقليمي بأكمله _. أما إذا قررت إيران العودة إلى طاولة المفاوضات والقبول بالتخلي عن برنامجها النووي مقابل ضمان بقاء النظام، فإنها تخاطر بفقدان مصداقيتها، وكرامتها، وجزء كبير من نفوذها الإقليمي، وهو ما قد يؤدي لاحقًا إلى تداعيات داخلية يصعب احتواؤها.