هل تعلمت حماس شيئاً من إيران في حربها الأخيرة مع إسرائيل؟.
طبعاً لن أجد قارئاً واحداً يقول: «نعم تعلمت»، بل على العكس فإن حماس التي لم تعلق على وقف إطلاق النار بين عدوها وصديقها تبدو أبعد ما تكون عن تعلم الدروس الحقيقية لمعنى الحرب والقتال وللمعنى العميق لمصطلح «المصالح الوطنية».
ولأن جوهر السياسة قائم على حماية المصلحة فإن أي موقف يقاس بقدرته على تحقيق ذلك، بعيداً عن الشعارات.
والشعارات في السياسة ليست أيضاً إلا وسيلة أخرى لتسويق السياسات وهي ليست غاية بحد ذاتها.
كما أن الحرب كما قالوا ليست إلا وسيلة أخرى من وسائل الدبلوماسية.
أما القتال من أجل القتال ومن أجل أن نقول إننا نقاتل حتى لو كنا كل يوماً نخسر مائة من أبناء شعبنا وحتى لو تجاوز عدد الشهداء 3 بالمائة من مجموع السكان دون احتساب المفقودين لأن النسبة ستصل عندها إلى 4 بالمائة، فإن هذا يعني تماماً التمسك بالشعارات على حساب المصلحة، وهدم الوطن من أجل الحزب أو الحركة.
حماس للأسف تفعل ذلك تماماً، وهي لا تأبه لشيء، لا بأس لو انتهت غزة كمكان، وهي لولا صمود أهلها الذين فهموا درس النكبة مبكراً لكانت انتهت فعلاً، وبقاؤها حتى اللحظة ليس بفضل صمود أحد غيرهم.
وحماس للأسف لا تفهم إلا مصلحة حماس وما تراه حماس، وتكاد لا تسمع إلا أصوات طقطقات أزرار الكيبورد أو شاشات الهواتف الذاكية لنشطائها ومناضلي الكنبة والمقاهي من شبيحة الإخوان واليسار المفكك وليس اليسار الفكري.
أما أصوات الناس في غزة والنساء الذين يناشدون كل يوم والأطفال الذين يموتون من الجوع والفتية الذين يبحثون عن كبشة طحين بين سوافي الرمال فليسوا في منطقة سمع حماس. بل على العكس كما قال أحد مسؤولي حماس يجب أن يشكروا حماس أنها تمنحهم فرصة أن ينالوا الأجر، أما من يستشهد فعلى أهله أن يكونوا ممنونين لحماس أن جعلت ابنهم شهيداً.
حماس لا تتعلم، وهي ما زالت تأخذ الشعب منذ عشرين شهراً في حرب لا يعرف أحد الهدف منها.
طبعاً الكل يعرف هدف العدو المتمثل بإفناء غزة وتقتيل الشعب وتهجيره وإحداث أكبر عدد ممكن من الإعاقات في صفوف الشباب (تخيلوا وضمن تقدير أولي فإن 10 بالمائة من شباب غزة باتت لديهم إعاقات ستمنعهم من العمل في المستقبل)، أما هدف حماس فلا أحد يعرفه، لأن كل النتائج على الأرض من الثامن من أكتوبر تقول إن الطرف الفلسطيني هدفه الوحيد هو ما جرى في اليوم السابق، أي السابع من أكتوبر، ثم ماذا بعد؟ واضح أنه لا يعرف.
ومنذ انقلابها في حزيران، تذكروا أنهم سموه وقتها «فتح مبين وفصل بين الباطل والحق»، خاضت حماس باسم الشعب الفلسطيني حروباً مؤلمة وموجعة، لم يجن منها الشعب إلا المزيد من الدمار.
تذكروا أن أصحاب البيوت المهدمة من حروب حماس السابقة خاصة في العام 2014 لم ينتهوا من إعادة إعمار بيوتهم، كما أن بعض من هدمت بيوتهم في العام 2012 وقبل ذلك 2008 بالكاد تنفسوا الصعداء وعادوا لبيوتهم الجديدة. وبحسبة صغيرة فطوال فترة حكم حماس كانت غزة تتقلص يوماً بعد يوم.
حتى على صعيد مساحة الصيد داخل البحر فإن أوسلو الشريرة الملعونة لم تجلب إلا أكثر من عشرين ميلاً بقليل، لم تجلب لنا المياه الدولية، قلصتها حماس إلى ستة كيلومترات وقربتنا من رمال الشاطئ وليست المياه الدولية.
هل تعلمت حماس من إيران أي شيء؟
قبل الإجابة، أعرف أن كل أهل غزة يغارون من الشعب الإيراني أن قيادته التي خاضت الحرب لم تخض الحرب من أجل الحرب وعرفت متى تتوقف وكيف تقول إنها انتصرت وحمت البلاد من الدمار، ويغارون أن ذات القيادة للأسف هي ولية أمر من يقاتل في غزة وتدفعه للمزيد من القتال.
لا أحد يطلب من إيران أن تقاتل حتى تتحول طهران مثل غزة، كما لم نرد ولا نريد أن يتم جر بيروت لحرب تحولها إلى كومة دمار.
صحيح أن طهران تبني الكثير من خطابها على فكرة «المقاومة» ودعمها ولكن أيضاً هذا شعار والشعار ليس جوهر السياسة بل يعمل على ترويج الأفكار التي بدورها ترجمة فكرية للمطلب السياسي، وليست غاية بحد ذاتها.
الآن بات عند النظام الإيراني قصة يرويها في مرويات تعزيز شرعيته تتمثل في أول حرب يخوضها في حياته ضد جهة غير إسلامية إذ إن حروبه كانت قبل ذلك تستهدف بغداد والمدن العراقية وتشغيل الآخرين حتى يقاتلوا في بلادهم ولكن على قاعدة أنه من يرعى جهادهم المقدس وعليهم أن يقولوا ذلك علناً.
هل قرأتم بيان نعي حماس لأحد قادة الحرس الثوري، مع أننا لم نقرأ بياناً ينعى الستين ألف شهيد في غزة.
الآن لدى طهران قصة تحكيها. وهي قصة للإنصاف مشرقة من جهة إيرانية بحتة: فطهران قاتلت ونجحت في قصف تل أبيب وحيفا وتهديد إسرائيل وكان واضحاً أنه دون حرب أوسع وأشمل لا يمكن إخضاعها.
ولكنها أيضاً عرفت متى تتوقف. هل هناك ما لا نعرفه؟ ربما، لكن أيضاً هذا ليس مهماً فهي دخلت الحرب وخرجت وهللت وزمرت أنها انتصرت مثلما هلل وزمر نتنياهو وترامب أنهما انتصرا.
نحن الذين لا نتعلم. من المهم استرجاع مراحل مفاوضات الهدنة بين حماس وإسرائيل حيث كانت طهران تحرض حماس على عدم الموافقة على توقيع الهدنة. كل الدول الصديقة لحماس كانت تريد لها أن توقع اتفاق هدنة من الدوحة حتى أنقرة.
كانت الأصوات التي تخرج من طهران تواصل الضغط حتى القتال، وحين جربت طهران القتال وأدركت أنه سيعني تدميرها توقفت بلا زعيق وبلا تبرير.
وهي بصراحة ليست بحاجة لتبرر تقدمه لأحد، لماذا عليها أن تتوقف، فسلاح إيران لحماية إيران ولم يكن ولن يكون لوقف الحرب على غزة.
الكل كان يتوقع مثلاً أن تقول طهران: «لن نتوقف إلا بوقف إطلاق نار شامل في المنطقة يشمل غزة» ويمكن ضمن اليمن لإغراء تل أبيب، ولكن حتى هذه الفكرة (التي ربما تراها طهران سخيفة) لم تستحق الإثارة في النقاشات. الناس في غزة تشعر بالمرارة وهي تستعيد كل هذا.
الكل نسي غزة، وظلت وحيدة، رهينة أخرى بيد حماس التي لن تتركها إلا إذا أخذت ضمانات بأن تبقى تحكمها.
مرة قال لي المحقق في سجن حماس بعد التعذيب: لقد خلق الله الدنيا في ثلاثة أيام؛ يوم لفتح وهذا قد انتهى، ويوم لحماس ثم يوم الدين، وكان ذلك بعد ما انتهى من وجبة تعذيبي أنا وإخوتي في قيادة إقليم فتح في شمال غزة، وظننته يروي حديثاً شريفاً وكلاماً منزّلاً.
وأظنه كان يعني ما يحدث الآن. وروى لي أحد الأصدقاء من نشطاء المجتمع المدني من اليسار، أن أحد قادة حماس الذين استشهدوا في الحرب قال له ولمجموعة من النشطاء المجتمعيين: لن يأخذوها (ويقصد أن السلطة لن تأخذ غزة) إلا كومة من الحديد، وقد أوفى بوعده.